أم لا، وحينئذ فالتعبير باليقين لا يكون إلا بإرادة المعنى الأعم منه.
وقد وردت رواية مسعدة بن صدقة بأنه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
" كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه... والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة " (1).
فهو (عليه السلام) مع أنه جعل غاية الحل هو العلم بالحرمة، فقد كرر هذا الجعل وأكد ببيان آخر هو تفصيل وتوضيح للصدر، وصرح فيه بأن قيام البينة حصول للغاية، فلا محالة أريد من العلم بالحرمة معنى أعم يشمل قيام الطريق أيضا.
وشيخ مشايخنا (قدس سرهم) في درره نقل هذا الوجه عن سيده الأستاذ (قدس سره)، واستدل له بعد ذكر الوجه الأول بما حاصله: أن كلا من مفاد الأصول والأمارات مجعول في مورد الشك، إلا أن أخذ الشك موضوعا في الأصول في لسان الدليل بخلاف الأمارات فيه دلالة على إرادة الشك في قبال قيام الطريق المعتبر في باب الأصول، وكون الشك بمعنى مطلق التردد في باب الأمارات.
وأنت تعلم بأن مجرد التصريح ليس فيه دلالة على إرادة المعنى الأعم من الشك واليقين والعلم في أدلة الأصول، فإن من المحتمل إرادة معنى مطلق الشك، حتى الموجود مع قيام الأمارة في كل من الأمارة والأصل.
وسيدنا الأستاذ (قدس سره) أيضا قد اختار الورود، إلا أنه جعل العلم أو اليقين الوارد في أدلة الأصول بمعنى الحجة المعتبرة، والطرق بأدلة اعتبارها حجة معتبرة يتحقق بها غاية الاستصحاب حقيقة.
لكنك خبير بأن العلم أو اليقين لا يطلق إلا على ما كان طريقا إلى الواقع، وأن سر إطلاقه إنما هو كونه طريقا يحرز به الواقع، ولا يجوز إطلاقه على مثل احتمال التكليف الكلي قبل الفحص عن الدليل، ولا على الاحتمال الموجود في أطراف العلم الإجمالي، مع أن كلا منهما حجة على التكليف الواقعي. والله تعالى هو الهادي والعاصم.