وجه الدلالة: أن الماءين كانا محكومين بالطهارة قطعا مع غض النظر عن وقوع القذر فهذه الطهارة إن كانت مستندة إلى قاعدة الطهارة كان الطرفان بعد وقوعه أيضا مشمولين لها، وإن كانت مستندة إلى اليقين بها كانا مشمولين لاستصحاب الطهارة، ولا شبهة في شمول الموثقة لكلتا الصورتين، وقد حكم (عليه السلام) بإهراقهما والتنزل إلى التيمم، وهو لا يكون إلا لأجل عدم محكوميتهما بالطهارة كما لا يخفى، وإلا فلو كان الماء محكوما بالطهارة لوجب الطهارة المائية.
منها: ما رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن صفوان بن يحيى، أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو، وحضرت الصلاة وخاف فوتها، وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: " يصلي فيهما جميعا " (1).
وبيان الدلالة فيه أيضا كما في الموثقتين، فلو كان الاستصحاب حينئذ جاريا لكان الثوبان محكومين بالطهارة حتى مع العلم الإجمالي بأن أحدهما مبتلى بالنجاسة المانعة عن صحة الصلاة، ولكان إتيان الصلاة في أحدهما كافيا كما في الشبهة البدوية، فإيجاب الصلاة فيهما الذي هو بمعنى الصلاة في كل منهما منفردا، كما فسر به الصدوق أيضا دليل عدم جريانه مع مثل هذا العلم الإجمالي.
ومنها: أخبار كثيرة تدل على وجوب غسل الثوب كله أو جميع أطراف احتمال ملاقاة النجاسة إذا علم بإصابة النجس له ولم يعلم مكانه، ففي صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) " في حديث " قال: في المني يصيب الثوب قال: " إن عرفت مكانه فاغسله، وإن خفي عليك فاغسله كله " (2).
ومن هذه الطائفة صحيحة زرارة الثانية الواردة في الاستصحاب فان فيها بعد قوله (عليه السلام): " لأنك كنت على يقين من نظافته (طهارتك خ ل) ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا " قلت: فإني قد علمت أنه قد أصابه