والأظهر أن يقال بتقديم جانب المالك، وذلك أن مقتضى سلطنة المالك على الانتفاع بماله جواز حفر البالوعة، إلا أنه لما كان حفرها يوجب الضرر بالجار فمقتضى عموم " لا ضرر ولا ضرار " حرمته والمنع عنه، لما عرفت من أن مفاد الحديث مطابقة، الإخبار بأن الضرر مطلقا منفي في حوزة حكومة أحكام الإسلام، ولازمه أن يمنع كل أحد عن الإضرار بغيره، وإلا لتحقق الضرر حتى مع رعاية أحكامه، فمقتضى العموم حرمة الحفر بما أنه إضرار بالغير، إلا أن نفس هذا الحكم بالحرمة فيه إلزام بتحمل الضرر على المالك، كما أن إطلاق الأمر بالوضوء إلزام بتحمل الضرر على من يضره الوضوء، فعموم لا ضرر يدل على انتفاء هذا الحكم التحريمي، كما دل على انتفاء ذاك الحكم الإيجابي، وهو معنى تقديم جانب المالك.
إن قلت: إن الضررين كليهما مصداق لعموم حديث " لا ضرر " يحكم عليهما بالانتفاء، وحيث إن الحكم بانتفاء كليهما غير ممكن، لاستلزام نفي كل إثبات الآخر، فيقع بينهما التعارض ويرجع إلى الأصول أو الأدلة المحكومة، وهي هنا أدلة سلطنة الناس على الانتفاع بأموالهم.
قلت: إن مع قطع النظر عن الحديث مقتضى أدلة السلطنة جواز الحفر، فليس لنا إلا مقتضى هذه الأدلة حينئذ لا غير، فالحديث لا يعمه، ويحكم بانتفاء الجواز وجعل الحرمة، وبعد ملاحظة شمول الحديث له يقتضي الحديث ثبوت الحرمة التي هي موجبة للضرر، فشمول الحديث للضرر الآتي من ناحية حرمة الحفر متأخر في اللحاظ عن شموله لما يأتي من ناحية جواز الحفر، ولا يعمهما في عرض واحد. هذا.
مضافا إلى أن الارتكاز العرفي هو أن الضرر تمام الملاك للحكم بالانتفاء شرعا، وحيث إنه موجود في كل من الضررين فعدم إمكان فعلية مفادهما من باب التزاحم الذي يكون الملاكان معه محفوظين، لا من باب التعارض الذي لا دليل إلا على ملاك أحد المتعارضين.