فبعد ذلك لو بقي مورد كلفه الله تعالى وكان مصداقا للضرر فهو في غاية الندرة، كما لا يخفى.
إن قلت: بناء على توقف صدق الضرر على أن لا يكون تحمل النقص في طريق الوصول إلى غاية عالية أو عقلائية فلازمه أن لا يبقى لحكومة قاعدة لا ضرر على إطلاقات أدلة الأحكام مورد، إذ لا ريب في أن كل حكم له ملاك ومصلحة هي الموجبة للبعث إلى متعلقه، والإتيان بمتعلقه طريق إلى نيل ذاك الملاك، وهو الغاية المطلوبة، وشمول إطلاق دليله لمورد يستلزم نقصا على المكلف لازمه أن يكون هذا النقص واقعا في طريق الوصول إلى تلك الغاية، فلا يكون ضررا لكي يعمه القاعدة ويقتضي انتفاء حكمه.
قلت: أولا يبقى مع ذلك موارد اخر لحكومة القاعدة، مثل ما إذا كان الطريق الذي اختاره المكلف لإعمال حقه موجبا لإيراد النقص على غيره، مع عدم انحصار الطريق به، كما في قصة سمرة، فهو نقص ليس يتوقف عليه غاية مطلوبة، ويكون ضررا ينفى حكمه بالقاعدة.
وثانيا: أنه فرق واضح بين حكم وجوب الخمس والجهاد - مثلا - وحكم وجوب الوضوء إذا استلزم شقاق اليد، فإن إدارة أمر الحكومة الإلهية وتأمين المال اللازم لها موقوف على أداء الخمس، وأداؤه عبارة أخرى عن تحمل نقيصة في مال المكلف، كما أن بسط الإسلام العزيز أو الدفاع عنه موقوف على الجهاد، وهو عبارة أخرى عن عرض النفس في معرض الحوادث والابتلاء وتحمل النقص اللازم له، وهذا بخلاف وجوب الوضوء فإن الغاية المطلوبة هنا من الغسل والمسح هو حصول الطهارة، وهو لا يتوقف إلا على نفس الغسل والمسح الذي ليس في طبعه، إلا أنه تنظيف وتطهير، وإن استلزم في مورد شقاق اليد فهو أمر نادر أجنبي أوجبه خصوصية في المكلف أو غيره فليس في طبع الواجب تحمل النقص، ولا يتوقف الوصول إلى ذاك الهدف والغاية إلى تحمله، وإنما يتوقف على نفس الغسلات والمسحات، وهي إذا استلزمت شقاقا في اليد فهو قرين سوء أجنبي.