ومعلوم أنه في هذا النظر لا يرى إلا انتفاء الضرر في جميع الموارد، وأنه لا منة فيه إلا على من ينتفي عنه، وإن المنة اللازمة عنه إذا نسبت إلى الأمة تكون من قبيل الجمع في التعبير، لا أن خصوص إضرار المالك على جاره الذي يستلزم نفيه ورود الضرر على نفس المالك أو خصوص ضرر المالك الذي يستلزم نفيه ورود الضرر على جاره يكون ملحوظا في الحديث حتى يقال: إن في نفيه لا منة على الأمة.
فقد تحصل من جميع ما ذكرنا: أن الحديث كما له الحكومة على سائر أدلة الأحكام وينفي كل حكم يوجب الضرر كذلك له الحكومة على حكم يكون دليل ثبوته نفس الحديث، وإن شكك في شمول لفظ الحديث له وادعي انصرافه عن مثله، كما في مثل " كل خبري صادق " فلا مجال للتشكيك في أنه يعمه بالملاك، إذ ملاك النفي ليس إلا مجرد أنه ضرر لا غير، وأنه حكم ضرري ليس إلا. هذا.
وبعد ذلك كله فلقائل أن يقول: إن أساس هذا المشي والكلام أن يكون شمول الحديث لضرر المالك متأخرا عن شموله لضرر الجار حتى يكون الحديث غاية الأمر بلا معارض، وهذا الأساس لا نصدق به ولا نخضع له، بل إن الحديث يعم كلا الضررين في عرض واحد، وذلك لما عرفت أن المفاد الأصلي للحديث هو الإخبار عن أن أي ضرر فهو منفي في حوزة حكومة أحكام الإسلام، فهذا هو مفاد الحديث، وهو كما ترى يشمل أي ضرر يتصور وروده على المالك، أو على الجار، أو على شخص آخر أيا من كان، فالحديث في دلالته على انتفاء الضرر عن جميع أفراد الأمة في ظل أحكام الإسلام لا يقدم مصداقا على آخر، ويعم جميع المصاديق المتصورة من الضرر، ويقتضي انتفاءه في عرض واحد وأرضية واحدة، ولازمه في كل مورد أن يسد باب إضرار الغير بالمكلف وباب تحميل الضرر عليه من ناحية الشارع.
فتوجه ذهننا في المقام إلى ضرر الجار أولا، وبعد الالتفات إلى أن حديث " لا ضرر " مقتض لانتفائه يتوجه ذهننا إلى ضرر المالك ثانيا ليس فيه دلالة على خروجهما في شمول الحديث لهما عن حد الاستواء، لكي يتقدم ما نلتفت إليه