وفيه أولا: منع هذه السيرة لهم في جميع الموارد حتى في جميع موارد الشك في الرافع، نعم، ربما كانت سيرتهم على معاملة البقاء فيمن يكون طرفا لهم، فيرسلون إليه النقود والمتاع، إلا أنها مبنية على اعتبار أصالة السلامة، وهي أصل معتبر عندهم، لكنها معتبرة أيضا عندهم في الحالات العادية، وإلا فلو جاءت زلزلة أهلكت ثلثا من أهالي بلدة واحتمل كون المرسل إليه من الهالكين لما أرسلوا إليه الأمتعة والنقود حتى يستوثقوا من بقائه، مع أنه من قبيل الشك في الرافع. نعم، لو حصل لهم اطمئنان ببقاء ما كان يعملون بمقتضى الاطمئنان، كما أنه ربما يقدمون على بعض الأعمال احتياطا أو استخبارا. وأما البناء على بقاء ما كان ولو في قسم خاص بقول مطلق فلا.
وثانيا: أن الآيات والأخبار الناهية عن اتباع غير العلم أو الحاكمة بالبراءة في موارد عدم العلم تكفي للردع عنها بعد انعقاد الإطلاق والعموم لها، وكون المفروض أن مجرى الاستصحاب مصداق وفرد لموضوعها، وإنما لم نقل برادعيتها عن السيرة العقلائية على العمل بخبر الواحد والظواهر، لأنها طرق عقلائية يعبر عندهم عن موارد قيامها بالعلم بما قامت عليها، فتخرج عن الأدلة الناهية وأدلة البراءة تخصصا، بخلاف مورد الاستصحاب المفروض أنه حكم بالبقاء مع الشك فيه، فتذكر.
نعم، لو قلنا بانصرافها إلى خصوص العمل بغير العلم في أصول الدين، أو بخصوص ما لا يراه العقلاء معتبرا، أو قلنا بأن رادعيتها مستلزمة للدور - على ما في بحث خبر الواحد من الكفاية - لكان لازمه أن لا نقول برادعيتها هنا أيضا. إلا أنه إيراد على مثل صاحب الكفاية، حيث منع رادعيتها هناك استنادا إلى الوجوه الثلاثة المذكورة، واعتقد برادعيتها هاهنا، مع اشتراك الموردين في جريان هذه الوجوه فيهما، كما يظهر للمتدبر، وأما نحن ففي فسحة عنه. والحمد لله رب العالمين.
الثاني: أن مجرد وجود شئ في زمان وعروض الجهل ببقائه، ولا سيما إذا