متأخرا ويكون الحكم الفعلي له، بل هما مشمولان للحديث في عرض واحد، وحيث لا يمكن اجتماعهما فيه يجئ حديث التعارض أو التزاحم، وحيث إن التحقيق أنه من باب التزاحم فيتبع أقوى الملاكين إن عرفناه، وإلا فالتخيير، ومع الشك كان الأصل هو المتبع. والله العالم.
الخامس: إذا كان تصرف المالك يوجب ضرر الجار وكان في تركه حرج وضيق على المالك، فالظاهر تقديم جانب المالك، وذلك أن قوله تعالى: * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * يكون حاكما على إطلاق أو عموم كل دليل يقتضي ثبوت حكم حرجي، سواء كان هذا الدليل إطلاق دليل وجوب الوضوء، أو عموم دليل لا ضرر، أو غيرهما، ففيما نحن فيه عموم أدلة السلطنة تقتضي جواز تصرف المالك في ماله كيفما شاء، وبالنسبة إليها لا تجري أدلة نفي الحرج، فإنهما متلائمان، لكنه إذا فرضنا أن تصرفه في ما له يوجب ضرر الجار فحينئذ يكون حديث " لا ضرر " مقتضيا لحرمة تصرفه، ولما كان هذا الحكم يوجب حرج المالك - كما هو المفروض - فأدلة نفي الحرج تقتضي انتفاء هذه الحرمة. هذا.
ولقائل أن يقول هنا أيضا: إن حديث " لا ضرر " يدل على انتفاء كل ضرر في ظل الأحكام الإسلامية، ومدلوله الالتزامي انتفاء كل حكم فيه تحميل الضرر على المكلف، وتحريم كل فعل فيه إيراد الضرر عليه، ولا يفرق فيه أن يكون هذا الحكم ثبت من هذا الدليل أو ذاك، وعليه فله أيضا لسان الحكومة على كل دليل يكون مقتضاه ثبوت حكم يقرر ضررا على المكلف، وإن كان هذا الدليل عموم قوله تعالى: * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * فاللازم أن يكون هذا المورد أيضا من صغريات باب التزاحم، ومع فقد الترجيح يكون المتبع هو مقتضى الأصول.
والله العالم بحقائق أحكامه.
وهنا فروع كثيرة أخرى لا يساعدنا الحال للتعرض لها. نرجو الله تبارك وتعالى التوفيق لخالص الأعمال إنه ولي التوفيق، قريب سميع مجيب.