ألفاظه إن وروده في ذاك المقام لا يمنع شموله لشئ من الضررين، وبيانه موقوف على مقدمتين:
إحداهما: أنه لا ريب في أن نفي الضرر عن كل فرد من آحاد الأمة ليس فيه امتنان إلا على شخص هذا الفرد ومن يهمه شأنه، ولا منة فيه على غيره ممن لا يرتبط به، وهكذا رفع الخطأ والنسيان وغيرهما، وعليه فالتعبير بأن فيه امتنانا على الأمة ليس إلا من باب الجمع في التعبير، وأن كل واحد من الأمة فقد نفي عنه الضرر وشمله هذه المنة، فنفي الضرر - مثلا - امتنان على الأمة.
وثانيهما: أنه قد مر في مباحث العام والخاص والمطلق والمقيد أن العمومات وكذا المطلقات لا نظر فيها إلا إلى حيثية الموضوع بنفس العنوان المأخوذ في لسان العموم والإطلاق، ولا تعرض فيها للخصوصيات الاخر التي تلحق الأفراد لا محالة، فقوله: " أكرم العلماء "، أو " أكرم العالم " وإن عم وشمل كل فرد إلا أن كلا منهما لا يحكي إلا عن حيثية العالم بما أنه عالم، ولا تعرض له لسائر الخصوصيات من كونه فقيها أو أديبا، عادلا أو فاسقا، أهل هذا البلد أو ذاك، فضلا عن كونه ابن فلان أو فلان، ذا طول كذا أو كذا، إلى غير ذلك، بل لا يحكى إلا عن حيثية العالم بما أنه عالم.
نعم، الفرق الوحيد بين العموم والإطلاق: أن العام متعرض للأفراد بنفسه، والإطلاق يجعل الحكم على نفس الطبيعة، ويسري منها إلى الفرد، لأن الفرد عين الطبيعة إلا ان تعرض العام إنما هو لفرد العام بما أنه فرد له وبحيثية أنه عالم وبما أنه عالم، ولا تعرض له لسائر الجهات والحيثيات كالاطلاق في ذلك بعينه، وعليه فالحاكم سواء تكلم بلفظ مطلق أو عام لا يرى في مقام الحكم سوى الحيثية التي يحكي عنها عنوان العام أو المطلق، ولا يرى أثرا من الخصوصيات الاخر في هذا المقام أصلا.
إذا عرفت المقدمتين نقول: إن قوله: " لا ضرر " يكون النظر فيه مقصورا على حيثية الضرر فقط من كل فرد من أفراده، فلا يرى فيه إلا أن هذه الطبيعة منفية،