لا سيما وأن نهيه هذا شامل لمثل مورد الجهل والخطأ والنسيان، فلو عمل بنهي الشارع وحكمه لما تحقق تلف ولا حنث نذر أو عهد وما إليه، ولا عمل يوجب الحد أو القصاص أو الدية، ففرض هذه الأعمال خارج عن مفروض القاعدة، أعني حوزة حكومة الأحكام.
وأما القسم الآخر فالحق أن عنوان الضرر لا يصدق في جل موارده، وذلك أن الضرر وإن كان هو النقص في المال أو النفس أو العرض إلا أنه ليس كل نقص في أحدها ضررا، بل الضرر هو النقص الذي لا يكون لأجل الوصول إلى غاية عقلائية فما كان تحمله لغاية عقلائية يتوقف على تحمل هذا النقص، فهو لا يعد عرفا ضررا أصلا، فمثل إنفاق المال في تفقه واجبي النفقات لا يكون ضررا، فإن ترك الانفاق عليهم منقصة عقلائية يلام الإنسان المتمكن عليه، ومن شؤون وجاهة كل أحد أن ينفق على هؤلاء إذا احتاجوا وكان هو متمكنا، فالانفاق وإن أوجب نقصا في ماله إلا أنه يوصل إلى حفظ شأنه ووجاهته فلا يكون ضررا.
ومثل الزكاة أو الخمس وإن أوجب نقصا في المال إلا أنهما من الأموال التي تقام بها أمر الحكومة الإسلامية التي هي عز الإسلام والمسلمين وإعلاء لكلمة الله، وهي من أعلى الغايات، وهكذا الأمر في الجهاد، ومثله الأمر في الحج الذي فرضه الله تشييدا للدين والشريعة، والصوم الذي هو تثبيت للإخلاص وجنة من النار.
وجملة القول: إن الإنسان المسلم له غايات مادية ومعنوية، فردية أو اجتماعية أرشده الله تعالى إليها بنبيه العظيم، وهذه الواجبات المستلزمة لصرف المال أو النفس في أدائها تنتهى إلى هذه الغايات المطلوبة جدا، وقد فرضها الإسلام على المسلمين كما يقتضيه العدل الإلهي، فبعد ذلك لا ريب في أن بذل المال أو النفس لأدائها. وإن كان نقصا فيهما إلا أنه ليس مصداقا للضرر أصلا.
كما أن مسألة الاجتناب عن مال تنجس إذا لم يقبل التطهير مسألة الاجتناب عن القذر، وهي أمر عقلائي لا تعبدي محض، وليس ضررا.