ولعل وجهة نظر القائلين بالعلية، هو ان العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي في كشفه عن الواقع، فإراءته له أراءة كاملة لا قصور فيها، بل هو في الحقيقة علم تفصيلي بوجود التكليف، ولما كان العلم التفصيلي علة تامة لتنجيز متعلقه لما سبق في بحوث التمهيد، كان العلم الاجمالي كذلك، ولا فرق بينهما من هذه الجهة أصلا.
والتردد في مقام تطبيق الحكم على كل من الأطراف لا يسري إلى التردد في أصل الحكم فاصل الحكم، واصل على كل حال.
أما القائلون بالاقتضاء، فوجهة نظرهم مبنية على أن هذا الترديد في مجال التطبيق يضعف تأثير العلم الاجمالي، وينزل رتبته عن العلم التفصيلي، فهو لا يزيد على أن يكون فيه اقتضاء التأثير، وتأثير المقتضى فيه موقوف على عدم وجود المانع، أي عدم وجود المرخص من قبل الشارع في ارتكاب الأطراف.
وعلى هذا فالتنجيز عند هؤلاء الاعلام يتضح من وجهة نظرهم في المسألة التالية من إنكار امكان جعل المرخص في الأطراف كلا أو بعضا.
ب - إمكان جعل المرخص وعدمه:
أما على مبنى من يذهب إلى علية العلم الاجمالي للتنجيز، فاستحالته واضحة للزوم الترخيص في مقطوع المعصية إذا جعل في تمام الأطراف أو الترخيص في محتملها إذا جعل في بعضها دون بعض، ويستحيل على الشارع المقدس ان يرخص في مقطوع المعصية أو محتملها مع تنجز التكليف بالعلم لقبح ان يصرح بجواز معصيته بالضرورة، وان جاز له ان يعفو بعد صدور المعصية من العبد، على أن شؤون الإطاعة والعصيان راجعة إلى العقل كما سبق بيانه، وليس للشارع دخل في وضعهما أو رفعهما بداهة.