(وليس من شروط المفتي ان يجيب على كل مسألة، فقد سئل مالك رحمه الله عن أربعين مسألة، فقال في ستة وثلاثين منها: لا أدري، وكم توقف الشافعي، رحمه الله، بل الصحابة في المسائل).
(فإذن لا يشترط إلا أن يكون على بصيرة فيما يفتي، فيفتي فيما يدري ويدري أنه يدري، ويميز بين ما لا يدري وبين ما يدري، فيتوقف فيما لا يدري ويفتي فيما يدري (1)).
وهذا الكلام غير واضح لدي وجهه لغرابة مضمونه، إذ العالم الذي يعرف القياس وليست له الخبرة في علم الحديث، كيف يسيغ لنفسه ان يستنبط حكما واحدا من قياسه وينسبه إلى الشارع المقدس، مع أنه يحتمل أن يكون في الأحاديث - التي يتوقف تصحيحها على علم الرجال وفهمها على توفر وسائل الظهور، وتقديمها على غيرها عند المعارضة على المرجحات السندية أو الجهتية، وتشخيص رتبتها على أصول الجمع بين الأدلة والحجج على اختلافها -.
- أقول مع أنه يحتمل أن يكون في هذه الأحاديث ما يوقف الاخذ بهذا القياس.
وما يقال من إمكان فرض اجتهاده في البعض، والرجوع في البعض الآخر، إلى غيره من المجتهدين فيها لالتماس موقعها من الأصل، أو القاعدة التي يريد الاجتهاد فيها، لا يجدي في اعتباره مجتهدا لبداهة ان النتيجة تتبع أخس المقدمتين، وما دامت بعض مقدماته التي اعتمدها في مقام الاستنباط مأخوذة عن تقليد، فالنتيجة لا تخرجه عن كونه مقلدا، والعلم في دفع تأثير بقية الأدلة الذي يكون منشؤه غير الاجتهاد، لا يجعل صاحبه مجتهدا بداهة.