الملابسات على قرائن يصلح بعضها لصرف ذلك النص عن ظاهره أو تقييده في حدود تلكم الملابسة.
وبهذا نرى أنفسنا في أمس الحاجة إلى معرفة أسباب النزول في الكتاب العزيز، والبواعث لتبليغ التشريع في السنة - إن كانت - لما يلقيان من أضواء على طبيعة الحكم.
والذي نرجوه أن لا يفهم من كلامنا هذا أننا نؤمن بأن المورد أو السبب مما يخصص الوارد أو يدعو إلى تقييده في حدود موارده أو بواعثه، فإن الذي أردنا ان نقوله ان المورد أو الباعث ربما يكشف عن طبيعة الوارد ونوع ما يعمم له من المصاديق.
وأظن اننا سندرك حاجتنا الكبيرة إلى هذه الخبرة في مجال المقارنة الفقهية القادمة، عندما نعرض لجملة من الفتاوى المتناقضة ونلتمس أسبابها، فنجد أهواء الحاكمين من وراء هذا التناقض.
وبهذا ندرك قيمة ما أرسله الإمام الصادق (عليه السلام) من جعله مخالفة العامة من أقسام المرجحات.
وبخاصة إذا تذكرنا ما قلناه في (مبحث الاستحسان) من أن المراد من العامة أولئك المرتزقة الذين يسيرون دائما في ركاب حكامهم، ويفتون على حسب ما يريدونه منهم، ولعل الدعوة إلى سد باب الاجتهاد كان من بواعثها الخيرة غلق الطريق على أمثال أولئك من المتطفلين على موائد الافتاء ممن كانوا بيد السلطان كالدمى يحركونها كيفما شاءوا وشاءت لهم سياساتهم الخاصة لتضليل الرأي العام.
ومن هنا نرى كثيرا من السلطات تحفل بأمثال هؤلاء، وتشتري عواطفهم بالمناصب الكبيرة والكثير من الأموال، وحتى في عصورنا المتأخرة، مع الأسف الشديد، لا نعدم الأمثال الكثيرة على ذلك.