وإذا لم تكن لنا تلك الخبرة التأريخية، فانا لا نستطيع ان نقيم تلك الأخبار المتعارضة ونعرف ما خالف العامة منها مما وافقها، وعلى الأخص إذا تم ما قربناه من أن الأساس في هذا التقييم لم يكن موجها نحو أرباب المذاهب المعروفة اليوم، لعدم وجود بعض أربابها إذ ذاك، والموجود منهم لم يكن - على درجة من كثرة الاتباع - تخول اطلاق كلمة العامة عليهم، بل لم يكن بعضهم على اتصال بالسلطة الزمنية، كما هو المعروف من تأريخهم.
6 - ان تكون لنا خبرة بأساليب الجمع بين النصوص كتقديم الناسخ على المنسوخ، والخاص على العام، والمطلق على المقيد، وكالتعرف على موارد حكومة بعض الأدلة على بعض أو ورودها عليها.
7 - ان نكون على ثقة - بعد اجتياز المرحلة السابقة وتحصيل ظهور النص - بحجية مثل هذا الظهور.
هذا كله بالنسبة إلى الطرق الكاشفة عن الكتاب والسنة سواء ما يتصل بالسند بالنسبة إلى السنة أم الدلالة بالنسبة إليهما، أما الطرق الأخرى الكاشفة عن الحكم أو الوظيفة من غير طريقهما، فحسب الفقيه ان يحيط منها بما حرر في كتب الأصول الموسعة ليعرف الحجة منها من غير الحجة، ويعرف موارد جريانها وأصول الجمع بينها، ولا يقتصر في ذلك كله على الاخذ برأي فريق دون فريق، بل يمحصها جهده ويكون لنفسه رأيا، لان التقليد في أصول الفقه محق للاجتهاد من أساسه، بل الاجتهاد في واقعه لا يعدو معرفة هذه الحجج وموارد تطبيقها، معرفة تفصيلية.
وفي المبحث اللاحق سنلقي ببعض الأضواء على هذا الجانب لايضاحه.