وقضية المقدمة الثانية أن الشئ الواحد لأجل اختلاف حيثياته، يمكن أن يشتمل على المصالح والمفاسد، فيكون لأجل المصالح مورد الأمر، ويتعلق الأمر بعنوان ينطبق على حيثية مصلحته، ويتعلق به النهي كذلك، ويسقط توهم سراية إحدى الحيثيات إلى الحيثية الأخرى (1)، لأن مقتضى السراية انتزاع الكثير من الواحد بجهة واحدة، فلا تتداخل الحيثيات البتة.
وأما أن المولى في مقام الإرادة التشريعية يختار أحد العنوانين، فهو موكول إلى النزاع الآتي والوجه الثاني (2)، وقد مر أن هذا البحث متكفل لإثبات أن اختلاف العنوانين، كاف لعدم لزوم الجمع بين الضدين، أي أن العنوانين بما هما عنوانان، يحكيان عن الجهتين المختلفتين طبعا وقطعا من غير سراية في البين.
وثالثا: إن العناوين بين ما تكون من العناوين الأصيلة والماهيات الطبيعية والمقولات الحقيقية، وبين العناوين الاعتبارية والمفاهيم الاختراعية الاجتماعية، فما كانت من قبيل الأول فتختص بالوجود والإيجاد، لأنها تعتبر وتنتزع من الحدود الإمكانية، وما كانت من قبيل الثاني فيمكن أن يوجد ويعتبر الكثير منها من شئ واحد وبإيجاد فارد، ولا يختص بوجود على حدة.
فعلى هذا، ما كان من السنخ الأول يخرج من مصب النزاع، لأن البحث في المقام حول ما إذا كان العنوانان، متصادقين على واحد وموجودين بوجود واحد وإيجاد فارد. ولو فرضنا جريان النزاع فيه، فلا محيص من القول بالاجتماع في هذا النزاع.
وما كان من السنخ الثاني، فهو داخل في محط النزاع ومصب النفي والإثبات،