النحو الثالث في العيني المباشري وغير المباشري اعلم: أنا إذا راجعنا كيفية جعل وجوب القضاء عن الولي على الولد الأكبر في العبادات، وإلى كيفية جعل وجوب أداء الدين على المديون، نجد أن هنا نحوا آخر من الواجب ليس بعيني ولا كفائي، ضرورة أن العيني ما يكون مطلوبا من كل أحد مباشرة، ويستحق كل واحد عند الترك العقاب، والكفائي لا يكون مطلوبا من فرد خاص، ويستحق الكل عند الترك العقاب، وقضاء الولد عن والده ليس منهما بالضرورة، فإنه مطلوب من شخص خاص، ولا يجب عليه أن يباشره، ولا يسبب إليه أحدا، بل يسقط أمره بإتيان المتبرع، وهكذا في الدين وسائر الكفارات الشرعية. فإن فسر " العيني " بالأعم فهو، ولكنه تفسير بما لا يساعده الاعتبار.
فعلى هذا، ينقسم الواجب إلى العيني المباشري، وإلى ما لا تجب مباشرته، ويسقط بفعل الغير، من غير استحقاق الكل للعقاب عند الترك، بل يستحق الولي فقط، والمديون وهكذا.
وربما يشكل الأمر في هذه الواجبات غير المباشرية: بأنه إن أريد إيجاب الطبيعة من غير إضافة الصدور إلى الموضوع والمكلف، فهو غير معقول، لأن الطبيعة لا يعقل أن تصير واجبة، بل الواجب معنى حدثي، لأنه هو الذي يمكن أن يتعلق به الأمر والنهي، ولا نبالي بأن يتعلق الأمر بالطبيعة باعتبار صدورها منه، وأما تعلقه بها مع قطع النظر عن هذا المعنى الحدثي، فهو غير معقول.