الدالة على وجوب وحدة الجمعة انه متى تحقق جمعتان يجب ان يكون بينهما المسافة المذكورة فالتكليف بوجوب اعتبار المسافة بين الجمعة وجمعة أخرى إذ اعتبار السبق انما يتحقق إذا حصل العلم بوجود جمعة أخرى كما هو شأن الامر المعلق بالشرط فالمأمور به صلاة جمعة يراعى فيه هذه الشرطية وعلى هذا لا يلزم في امتثال التكليف العلم أو الظن بانتفاء جمعة أخرى سابقة أو مقارنة نعم يعتبر العلم أو الظن بعدم السبق أو المقارنة أو حصول المسافة عند العلم بحصول جمعة لا مطلقا وبالجملة لا يتضح دلالة الاخبار على أكثر من ذلك فتدبر وبقى الاشكال في صورة يظن الفريق الأولى حصول جمعة متأخرة مع عدم علم أصحابها بالجمعة المتقدمة وحينئذ فالحكم بصحة السابقة لا يصفو عن كدر الاشكال ولا يخفى ان ظاهر اطلاقات الأصحاب عدم الفرق في بطلان اللاحقة بين علمهم بسبق الأولى وعدمه ويشكل التعميم بناء على استحاله توجه النهى إلى الغافل وعدم ثبوت شرطية الوحدة على هذا الوجه ويمكن ان يتكلف في اثباته بمامر في المسألة المتقدمة وكذا تبطل الصلاة المشتبهة وفيه مسئلتان الأولى ان يكون السابق متحققا لكنه اشتبه سواء علم حصول جمعة سابقة معينة وأشبهت أو علم جمعة سابقة في الجملة ولم يتعين والوجه في وجوب الإعادة في الصورتين وجود الشك في حصول شرائط الصحة فيبقى المكلف تحت العهدة إلى أن يتحقق الامتثال ويجئي في صورة الظن كل فرقة بعدم سبق الأخرى الاشكال السابق وكذا في صورة عدم كل فرقة بالجمعة الأخرى واختلف الأصحاب في أن الواجب على الفرقتين صلاة الظهر أو الجمعة فذهب الأكثر إلى أن الواجب عليهم صلاة الظهر لا الجمعة للعلم بوقوع جمعة صحيحة فلا يشرع جمعة أخرى عقيبها ولما لم تكن متعينة وجبت الظهر عليهما حصول لعدم البراءة بدون ذلك وقال الشيخ في المبسوط يصلون جمعة مع اتساع الوقت لان الحكم بوجوب الإعادة عليهما يقتضي عدم كون الصلاة الواقعة منهما مقبولة في نظر الشرع واستوجهه بعض المتأخرين بان الامر بصلاة الجمعة عام وسقوطها بهذه الصلاة التي ليست مبرئة للذمة غير معلوم وتحقيق المقام ان نقول لا يخلوا ما ان يعتبر في امتثال التكليف بصلاة الجمعة العلم أو الظن بعدم حصول جمعة أخرى سابقة أو مقارنة أم لا وعلى الأول يحتمل وجوب الظهر لأنه لا يمكن الاتيان بالجمعة المكلف بها حينئذ على وجه الامتثال لان الجمعة التي يصح الامتثال بها ما يظن كونها غير لاحقة ولا مقارنة لجمعة أخرى وهي غير مقدورة في الفرض المذكور فثبت وجوب الظهر ويحتمل راجحا وجوبهما جميعا لان تعين وجوب الظهر انما يكون عند تعذر الاتيان بالجمعة المتصفة بكونها غير لاحقة ولا مقارنة لاخرى وهو غير معلوم وكذا تعين وجوب الجمعة انما يكون عند التمكن من الاتيان بالجمعة الموصوفة وهو أيضا غير معلوم فيلزم وجوبهما معا تحصيلا للبرائة اليقينية وعلى الثاني وهو الاحتمال الراجح كما أشرنا إليه وهو ان لا يعتبر العلم أو الظن المذكور مطلقا بل يعتبر عند حصول العلم بجمعة أخرى صحيحة لفريق اخر الظن أو العلم بعدم كون هذه الجمعة التي يأتي بها لاحقة ولا مقارنة إذا لم يكن بينهما المسافة المعتبرة فالواجب الجمعة إذ لم يحصل العلم الواحد من الجماعة بحصول جمعة أخرى صحيحة لفريق اخر لجواز ان يكون الجمعة الصحيحة له دون فرقه أخرى لا يقال كل منهم لا يخلوا عن أحد الامرين الاتيان بالجمعة ثانيا أو الاتيان بالجمعة اللاحقة وكلاهما لا يجوز الاقدام عليه (لأنا لا نقول لا نسلم عدم جواز الاقدام) الا مع العلم بكونه بأحد الوصفين على الخصوص لا مطلقا فان الاتيان بالجمعة ثانيا انما يحرم عند العلم بالاتيان بالجمعة الصحيحة أولا لا مطلقا وكذا الاتيان بالجمعة اللاحقة يحرم عند العلم بجمعة سابقة لا مطلقا وعلى القول المشهور لو تباعد الفريقان بالنصاب بان خرج أحدهما من المصر وأعادوا جميعا (الجمعة) لم يصح لامكان كون من سبقت جمعته هم الذين خرجوا من المصر فلا يصح من المتخلفين الجمعة لسبق جمعة أخرى صحيحة في الناقص عن النصاب إما لو خرجوا منه جميعا وبعدوا بمقدار النصاب تعين عليهم فعل الجمعة مع سعة الوقت إما مجتمعين أو متباعدين بمقدار النصاب المسألة الثانية ان لا يكون السابق متحققا باشتباه السبق والاقتران وفي عدم جواز الاكتفاء حينئذ مطلق اشكال يعلم وجهه مما سبق واختلف الأصحاب في حكمها فذهب الشيخ ومن تبعه إلى وجوب إعادة الجمعة مع سعة الوقت لعموم الأوامر المقتضية للوجوب ولأصالة عدم تقدم كل من الجمعتين على الأخرى وفي الأخير ضعف واضح وذهب المصنف في جملة من كتبه إلى وجوب الجمع بين الفرضين لان الواقع إن كان الاقتران فالفرض الجمعة وإن كان السبق فالظهر فلا يحصل يقين البراءة بدونهما وفيه انا لا نسلم ان وقوع السبق بدون العلم به يقتضي وجوب الظهر واحتمل في التذكرة وجوب الظهر خاصة لأن الظاهر صحة إحداهما لندور الاقتران جدا فكان جاريا مجرى المعدوم وللشك في شرط صحة الجمعة وهو عدم سبق أخرى وهو يقتضي الشك في المشروط وفيه انا لا نسلم ان شرط صحة الجمعة عدم سبق أخرى بل يكفي عدم العلم بسبق أخرى في بعض المواد والأقرب مذهب الشيخ ويعلم وجهه مما حققناه سابقا والمعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة وان اتفقت في يومه خلافا للشيخ وقد سبق تحقيق هذه المسألة ويحرم السفر يوم الجمعة بعد الزوال قبلها اي صلاة الجمعة والظاهر أنه اجماعي بين علمائنا كما نقل المصنف في المنتهى والتذكرة واليه ذهب أكثر العامة والحجة عليه ان ذمته مشتغلة بالفرض والسفر مستلزم للاخلال به فيكون حراما وهذا مبني على أن الامر بالشئ يستلزم النهى عن ضده الخاص كما هو التحقيق واعترض عليه بأنه على هذا التقدير يلزم من تحريم السفر عدم تحريمه وكل ما أدي وجوده إلى عدمه فهو باطل إما الملازمة فلانه لا مقتضى لتحريم السفر الا استلزامه لفوات الجمعة كما هو المفروض ومتى حرم السفر لم تسقط الجمعة فلا يحرم السفر لانتفاء المقتضي واما بطلان اللازم فظاهر ومحصله ان علة تحريم السفر استلزام السفر للفوات وهو (هي) غير ثابت على تقدير كون السفر حراما فحرمة السفر مستلزمة لانتفاء علة حرمته وكل ما استلزم وجوده انتفاء علة وجوده فهو منتف فيلزم انتفاء الحرمة وهذا الاعتراض مختص بصورة امكان الجمعة في الطريق على القول بتحريم السفر حينئذ ومبنى على اختصاص الترخيص بالسفر المباح وجوابه انا لا نسلم ان علة حرمة السفر استلزام السفر للفوات ولا ان علتها حصول الفوات في الواقع أو على تقدير السفر بل علة حرمة السفر استلزام جوازه لجواز تفويت الواجب وجواز تفويت الواجب منتف فيكون ملزومه وهو جواز السفر منتفيا والاستلزام المذكور ثابت سواء كان السفر حراما أو مباحا فحرمة السفر ليست مستلزمة لانتفاء العلة المقتضية لحرمته هذا ان قلنا إن التحريم شامل لصورة التمكن من إقامة الجمعة في حال السفر لكن الظاهر خلاف ذلك أن لم يثبت الاجماع عليه فلو كان بين يدي المسافر جمعة أخرى يعلم ادراكها في محل الترخص جاز سفره كما ذهب إليه بعض الأصحاب واختاره المدقق الشيخ علي وذهب جماعة إلى عموم التحريم في الصورتين والاجماع المنقول سابقا يعم الجميع لنا ان المقتضي تحريم تفويت الجمعة وهو غير لازم في صورة التمكن إذ لا مانع من إقامة الجمعة في السفر فان قلت فعلى هذا يلزم ان يكون الجمعة في السفر واجبه عليه مع أنه خلاف النصوص قلنا التخصيص لازم في النصوص الدالة على عدم وجوب الجمعة على المسافر بان يختص بمسافر لم يتوجه إليه التكليف قبل السفر بيان ذلك أن هاهنا حكمان عامان أحدهما ان كل حاضر يجب عليه صلاة الجمعة وثانيهما ان كل مسافر لم يجب عليه صلاة الجمعة والمكلف قبل انشاء السفر داخل في موضوع الحكم الأول ومقتضاه ايجاب الجمعة عليه سواء أوقعها في حال الحضور أو في حال السفر إذ لا تقيد بشئ منهما فإذا تركها في حال الحضور ثم سافر وجب عليه الاتيان بها في هذه الحالة فالحكم الأول بعمومه اقتضى وجوب الجمعة عليه في حال السفر على أن يكون القيد قيد للوجوب ومقتضى عموم الحكم الثاني عدم الوجوب عليه في الصورة المذكورة فلابد من ابقاء أحدهما على العموم والتخصيص في الأخر والترجيح لتعميم الأول للاجماع على وجوب الجمعة على الحاضر مطلقا من غير أن يكون مشروطا بعدم صدق السفر عليه لاحقا على أن ارتكاب التخصيص في الحكم الأول يوجب زيادة التخصيص في الآية والأخبار العامة فان قلت السفر الموجب للترخيص مختص بالسفر المباح فيرجع مآل الحكم الثاني إلى قولنا كل مسافر بسفر مباح لم يجب عليه الجمعة وحينئذ لو قلنا بان السفر محرم في الصورة المذكورة لا يلزم تخصيص في شئ من العامين أصلا فتعين القول بذلك لان الأصل عدم التخصيص قلت بعد تسليم اختصاص الترخيص بالسفر المباح ان الاسفار المحرمة خارجة عن هذا الحكم العام وهو مخصص ويخرج السفر المبحوث عنه عن الحكم بدليل اخر وارتكاب تحريمه لا يوجب بقاء العام على عمومه نعم لو كان مستند القول باختصاص
(٣١٣)