هذا الوجه أقرب إلى التحقيق وأنسب إلى الضبط وقد يقال من قبلهم ان المراد بالعدل عندهم اجتنب من الأكبر ولم يصر على الأصغر متى عن له معصيتان أحدهما البر والاخر أصغر وهو ضعيف القول الثاني ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط وابن حمزة والفاضلان وجمهور المتأخرين وهو ان المعصية نوعان كبيرة وصغيرة وليس كل معصية كبيرة كما ذهب إليه الأصحاب القول الأول و يشهد لذلك قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم دل بمفهومه على أن اجتناب بعض الذنوب وهي الكبائر يكفر السيئات وهو يقتضي كونها غير كباير وقال سبحانه الذين يجتنبون كبائر (الاثم والفواحش وفي الحديث ان الأعمال الصالحة تكفر الصغاير وروى ابن بابويه مرسلا عن الصادق (ع) من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه وذلك قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر) ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما وعن الصادق (ع) انه سئل عن قول الله عز وجل ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء هل يدخل الكبائر في مشية الله تعالى قال نعم ذلك إليه عز وجل انشاء عذب عليها وان شاء عفى وعن رسول الله صلى الله عليه وآله انما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وروى الكليني باسناد فيه كلام عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال إن الله عز وجل لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء الكباير فما سواها قال قلت دخلت (دخل) الكبائر في الاستثناء قال نعم وقريب منه عن إسحاق بن عمار عن الصادق (ع) وتشهد له أيضا الأخبار الكثيرة الدالة على تفصيل الكبائر وبيانها وسيجيئ طرف منها وشهد له أيضا ما دل من الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال انه مكفر للذنوب الا الكبائر وأمثال ذلك وبالجملة تخصيص الكبيرة ببعض أنواع الذنوب في الخبار والآثار أكثر من أن يحصى فاذن الترجيح لهذا القول والمعتبر في العدالة على هذا القول إن لا يرتكب كبيرة ولا صغيرة مع الاصرار وللعلماء في تفسير الكبيرة اختلاف كثير فقال قوم هي كل ذنب توعد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز وقال بعضهم هي كل ذنب رتب عليه الشارع حدا أو صرح فيه بالوعيد وقال طائفة هي كل معصية يؤذن بقلة اكتراث بفاعلها بالدين وقال جماعة كل ذنب علم حرمته بدليل قاطع وقيل كل ما توعد عليه توعدا شديدا في الكتاب أو السنة وعن ابن مسعود أنه قال اقرا ومن أول سورة النساء إلى قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فكل ما نهى عنه في هذه السورة إلى هذه الآية فهو كبيرة وقالت المعتزلة ان الصغير ما نقض (نقص) عقابه عن ثواب صاحبه وقال قوم ان الكبائر سبع الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنة واكل مال اليتيم والزنا والفرار عن الزحف وعقوق الوالدين ورووا في ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وقيل إنها تسع بزيادة السحر والالحاد في ملت الله اي الظلم فيه ورواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله ورواه أبو هريرة وزاد عليه اكل الربا وروى عن علي (ع) زيادة على ذلك شرب الخمر والسرقة وزاد بعضهم على السبعة السابقة ثلثة عشرة أخرى اللواط والسحر والربا والغيبة واليمين الغموس وشهادة الزور وشرب الخمر واستحلال الكعبة والسرقة ونكث الصفقة والتعرب بعد الهجرة والياس من روح الله والا من من مكر الله وقد تزاد أربعة عشرة أخرى اكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به من غير ضرورة والسحت والقمار والنجس في الكيل والوزن ومعونة الظالمين وحبس الحقوق من غير عسر والاسراف والتبذير والخيانة والاشتغال بالملاهي والإصرار على الذنوب وقد يعد منه أشياء أخرى كالقيادة والدياثة والغصب والنميمة وقطيعة الرحم وتأخير الصلاة عن وقتها والكذب خصوصا على رسول الله صلى الله عليه وآله وضرب المسلم بغير حق وكتمان الشهادة والسعاية إلى الظالم ومنع الزكاة المفروضة وتأخير الحج عن عام الوجوب والظهار والمحاربة بقطع الطريق ونقل عن ابن عباس أنه قال لما سئل عن الكباير أسبع هي هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعة والقول الأول من هذه الأقوال مشهور بين أصحابنا ولم أجد في كلامهم اختيار قول اخر ويدل عليه ما رواه الكليني عن الحسن بن محبوب في الصحيح قال كتب مع بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (ع) يسأله عن الكباير كم هي وما هي فكتب الكبائر من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا والسبع الموجبات قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين واكل الربا والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة واكل مال اليتيم والفرار من الزحف ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن أحمد بن النضر عن عباد عن كثير النوا قال سألت أبا جعفر (ع) عن الكبائر فقال كلما اوعد الله عليه النار وما رواه الكليني باسناد فيه ضعف عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في قول الله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية قال الكباير التي أوجب الله عز وجل عليها النار وما رواه الكليني عن محمد بن مسلم باسناد فيه محمد بن عيسى عن يونس عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول الكباير سبع قتل المؤمن متعمدا وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة واكل مال اليتيم ظلما واكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله عز وجل عليه النار قال إن أكبر الكباير الشرك بالله ويؤيده تأييدا ضعيفا ما رواه عن أبي بصير باسناد فيه محمد بن يونس عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال معرفة الامام واجتناب الكباير التي أوجب الله عليها النار وروى الكليني عن عبيد بن زرارة في الحسن بإبراهيم بن هاشم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الكباير فقال هن في كتاب علي (ع) سبع الكفر بالله عز وجل وقتل النفس وعقوق الوالدين واكل الربا بعد البينة واكل مال اليتيم ظلما والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة قلت فهذا أكبر المعاصي قال نعم قلت فاكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة قال ترك الصلاة قلت فما عددت ترك الصلاة في الكباير فقال اي شئ أول ما قلت لك قال قلت الكفر قال تارك الصلاة كافر يعني من غير علة وفي الصحيح عن مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول الكبائر القنوط من رحمة الله والأياس من روح الله عز وجل والامن من مكر الله وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين واكل مال اليتيم ظلما واكل الربا بعد البينة والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة والفرار من الزحف الحديث قد ورد غير ذلك مما دل على انها سبعة ويمكن الجمع بينها وبين الأخبار السابقة بأنه يجوز ان يكون مراتب الكبائر مختلفة بان يكون السبع أكبر من الباقي ولا ينافي ذلك أن يكون كل ما اوعد الله عز وجل عليه النار كبيرة وروى الكليني في الصحيح عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى وكان مرضيا ممدوحا قال حدثني أبو جعفر الثاني (ع) قال سمعت أبي (ع) يقول سمعت أبي موسى بن جعفر (ع) يقول دخل عمرو بن عبيد علي أبي عبد الله (ع) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش ثم أمسك فقال له أبو عبد الله (ع) ما أمسك فقال أحب ان اعرف الكبائر من كتاب الله عز وجل فقال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك بالله يقول الله عز وجل ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وبعده الأياس من روح الله لان الله عز وجل يقول لا يتأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون ثم الامن لمكر الله لان الله عز وجل يقول فلا يا من مكر الله الا القوم الخاسرون ومنها عقوق الوالدين لان الله عز وجل جعل العاق جبارا شقيا وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق لان الله عز وجل يقول فجزاؤه جهنم خالدا فيها إلى الخ وقذف المحصنة لان الله عز وجل يقول لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم واكل مال اليتيم لان الله عز وجل يقول انما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا والفرار من الزحف لان الله عز وجل يقول ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله وماويه جهنم وبئس المصير واكل الربا لان الله عز وجل يقول الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس والسحر لان الله عز وجل يقول ولقد علموا لمن اشتريه ماله في الآخرة من خلاق والزنا لان الله عز وجل يقول ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا واليمين الغموس الفاجرة لان الله عز وجل يقول الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة والغلول لان الله عز وجل يقول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة ومنع الزكاة المفروضة لان الله عز وجل يقول فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم وشهادة الزور وكتمان الشهادة لان الله عز وجل يقول ومن يكتمها فإنه اثم قلبه وشرب الخمر لان الله عز وجل نهى عنها عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله لان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد برأ من ذمة الله وذمة رسوله ونقض العهد وقطيعة الرحم لان الله عز وجل يقول أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار قال فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم ورواه ابن بابويه أيضا وروى ابن بابويه في كتاب عيون أخبار الرضا بأسانيد متعددة لا يخلو عن اعتبار عن الفضل بن شاذان فيما كتب به الرضا (ع) للمأمون ان البكائر هي قتل النفس التي حرم الله تعالى والزنا والسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين والفرار من الزحف واكل مال اليتيم ظلما واكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به من غير ضرورة واكل الربا بعد البينة والسحت والميسر وهو القمار والنجس في المكيال والميزان وقذف المحصنات
(٣٠٤)