(والواضعون أصناف):
منهم: من قصد التقرب به إلى الملوك وأبناء الدنيا، مثل: غياث بن إبراهيم؛ دخل على المهدي بن المنصور - وكان يعجبه الحمام الطيارة الواردة من الأماكن البعيدة - فروى حديثا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل، أو جناح "؛ فأمر له بعشرة آلاف درهم.
فلما خرج قال المهدي: أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " جناح " ولكن هذا أراد أن يتقرب إلينا؛ وأمر بذبحها وقال: " أنا حملته على ذلك " (1).
ومنهم: قوم من السؤال يضعون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث يرتزقون بها، كما اتفق لأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين في مسجد الرصافة (2).
و (أعظمهم ضررا من انتسب منهم إلى الزهد) والصلاح بغير علم (فاحتسب بوضعه)؛ أي زعم أنه وضعه حسبة لله تعالى وتقربا إليه؛ ليجذب بها قلوب الناس إلى الله تعالى بالترغيب والترهيب، فقبل الناس موضوعاتهم، ثقة منهم بهم، وركونا إليهم؛ لظاهر حالهم بالصلاح والزهد.
ويظهر لك ذلك من أحوال الأخبار التي وضعها هؤلاء في الوعظ والزهد، وضمنوها أخبارا عنهم، ونسبوا إليهم أفعالا وأحوالا خارقة للعادة، وكرامات لم يتفق مثلها لأولي العزم من الرسل؛ بحيث يقطع العقل بكونها موضوعة، وإن كانت كرامات الأولياء ممكنة في نفسها.
ومن ذلك ما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي أنه قيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟! فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة،