في المسائل الفقهية. فلا بد من علم يبين أحوال الرواة من المدح والذم وما له دخل في قبول روايته وعدمه؛ وهو علم الرجال. ومن علم يشرح ألفاظه ويبين حالاته من كونه نصا أو ظاهرا، عاما أو خاصا، مطلقا أو مقيدا، مجملا أو مبينا، معارضا أو غير معارض؛ وهو فقه الحديث. ومن علم يبين صحيح الطريق وضعيفه، وسليم الإسناد وسقيمه، وغيرها من حالات مختلفة تعرض لمتن الحديث وطرقه ليعرف المقبول منه والمردود؛ وهو علم الدراية.
قال آية الله المرعشي النجفي:
إن من أشرف العلوم الإسلامية علم الدراية الذي هو بمنزلة المقدمة لعلم الرجال، وكلاهما من أهم علوم الحديث، وعليهما تدور رحى استنباط الأحكام ورد الفروع إلى الأصول. (1) وقال العلامة المامقاني:
كان علما الدراية والرجال من العلوم المتوقف عليها الفقه والاجتهاد (2).
ولكن لما كانت الشيعة في زمن الأئمة (عليهم السلام) غير محتاجة إلى علم الدراية - لأنهم مرتبطون بالأئمة (عليهم السلام) ومعتمدون على الأصول المصنفة، وعندهم قرائن كانوا يعولون عليها، وكانت القرائن لا تزال موجودة عند المتقدمين من الأصحاب - لم يهتموا بهذا العلم، ولم يدونوا أصوله ولم يؤلفوا فيه تأليفا.
قال السيد المرتضى في جواب المسائل التبانيات:
إن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة، مقطوع على صحتها إما بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة، أو بأمارة وعلامة دلت على صحتها وصدق رواتها، فهي موجبة للعلم، مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص معين من طريق الآحاد. (3)