فلم يزل بزناد الإيمان قادحا، ولعباد الأوثان مكافحا، وبالحقوق طالبا، وعن الفسوق ناكبا، حتى شد من الحق قواعده، وهد من الباطل أوابده، وأظهر من الدين حقائقه، وأنور من اليقين شوارقه، فأقام بإرساله الحجة، وقوم بآله وأنساله المحجة، فأنار بهم الهدى، وأبار الردى، وجعلهم الحجج على خلقه، والباب المؤدي إلى معرفة حقه، ليدين بهداهم العباد، وتشرق بنورهم البلاد، وجعلهم حياة للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام، بعد أن اختارهم من أرجح الخليقة ميزانا، وأوضحها بيانا، وأفصحها لسانا، وأسمحها بنانا، وأعلاها مقاما، وأحلاها كلاما، وأوفاها ذماما، وأبعدها همما، وأطهرها شيما، وأغزرها ديما، فأوضحوا الحقيقة، ونصحوا الخليقة، وشهروا الإسلام، وكسروا الأصنام، وأظهروا الأحكام، وحظروا الحرام؛ فعليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم السلام، صلاة وسلاما دائمين بدوام الليالي والأيام.
وبعد: فيقول فقير رحمة ربه الغني حسين بن عبد الصمد، الحارثي الهمداني، أصلح الله أعماله وبلغه آماله: لما كان التفقه - في زماننا هذا - واجبا على كل المكلفين، وبه تحصل السعادة في الدنيا والدين، وهو ميراث النبيين، وحلية الأولياء والمقربين.
فقد روينا بطريقنا الآتي ذكره وغيره، عن محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله تعالى، عن علي بن محمد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن علي بن أبي حمزة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " تفقهوا في الدين؛ فإنه من لم يتفقه في الدين فهو أعرابي، إن الله يقول: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) ". (1) وعنه، عن الحسين بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن القاسم بن الربيع، عن مفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " عليكم بالتفقه في دين الله، ولا تكونوا أعرابا؛ فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزك له عملا " (2).