الرسالة، بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق، وأوجبه علي بعد اتصالي بدولة الإيمان والوفاق... " إلى آخر كلامه، فدل على أنه كان الباعث على سفره ما حدث من الخوف على العلماء في جبل عامل بسبب ما جرى على الشهيد الثاني، ولم يكن لهم ملجأ في ذلك الوقت غير إيران التي عرفت ملوكها بتعظيم أهل العلم، مضافا إلى علو همته واعتياده على الأسفار وتحمل المشاق.
أما تاريخ سفره إلى إيران: فيمكن كونه في أثناء سنة (965 ه) التي استشهد فيها شيخه المذكور، ويمكن كونه في السنة التي بعدها، أو أكثر، والاعتبار يقتضي أن يكون سفره فيها أو بعدها بقليل.
أما ما حكاه صاحب اللؤلؤة (1) عن بعض مشايخه المعاصرين من أن المترجم لما سافر من جبل عامل إلى إيران كان عمر ولده البهائي سبع سنين فلا يكاد يصح؛ لأن البهائي ولد سنة (953 ه)، فإذا كان عمره عند سفر أبيه سبع سنين يكون سفر أبيه سنة (960 ه)، فيكون سفره في حياة الشهيد الثاني لا بعد شهادته، وقد عرفت أنه كان بعدها.
وصوله إلى أصفهان وانتقاله إلى قزوين فوصل أولا إلى أصفهان، وكانت عاصمة الملك يومئذ قزوين، وبها الشاه طهماسب الصفوي الأول، وكان في أصفهان عالم من علماء جبل عامل، وهو الشيخ زين الدين علي العاملي المعروف أبوه بمنشار، وهو الذي تزوج الشيخ البهائي بعد ذلك ابنته، وكان الشيخ علي المذكور شيخ الإسلام بأصفهان في ذلك الوقت، فعطفته على المترجم عاطفة الوطن، بكون كل منهما عامليا، وما رأى من فضل المترجم ومن مهاجرته بأهله وعياله، مع قلة ذات يده في مثل تلك الحال وهو في بلاد الغربة، ولابد أن الشيخ عليا كان على جانب من التقوى والإخلاص، فأخبر الشيخ علي الشاه طهماسب بورود المترجم إلى أصفهان، ووصف له علمه وفضله وجلالة قدره، وكان الملوك الصفوية