تصدير نظرا إلى أهمية الحديث والسنة في الثقافة الإسلامية، فقد احتل موضوع " علوم الحديث " مكانة رفيعة أيضا. وقد اهتم علماء الدين منذ القديم بهذه المهمة، وتناولوا دراسة الحديث ومشكلاته من زوايا متعددة. وأدى ذلك على مر الزمن إلى تطور وغنى واتساع علم الحديث بحيث تفرعت عنه علوم متعددة مثل: دراية الحديث، رجال الحديث، مختلف الحديث، علل الحديث، غريب الحديث، فقه الحديث، وما إلى ذلك.
وقد حظي علم " دراية الحديث " باهتمام أوسع بسبب ماله من تأثير أساسي في تعيين مكانة الحديث وتشخيص سليمه من سقيمه.
والسبب الذي يدعو إلى مضاعفة الاهتمام بعلوم الحديث وخاصة علم الدراية والرجال هو علمنا - استنادا إلى أدلة نقلية مسلم بها وشواهد تاريخية قطعية - أن عددا من الكذابين والوضاعين قد تلاعبوا بالأحاديث ونسبوا عددا كبيرا منها إلى المعصومين وخاصة إلى الرسول الكريم صلوات الله عليهم. ومما يدعونا إلى مزيد من الاهتمام بهذا الأمر، حديث منقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول فيه:
" إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عهده... ثم كذب عليه بعده ".
ولا شك في أن التأكيد على فهم الحديث كان - ولا زال - له تأثير بين في تطور هذا العلم ورفعته، حتى أن مصطلح " دراية الحديث " مقتبس من كلام المعصومين صلوات الله عليهم. فقد قال أمير المؤمنين: " عليكم بالدرايات لا بالروايات ".
وقال الباقر (عليه السلام): " يا بني، اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم؛ فإن المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ".