أصل [2] وإذا لم يكن المحدث عالما بحقائق الألفاظ ومجازاتها ومنطوقها ومفهومها ومقاصدها، خبيرا بما يحيل معانيها؛ لم يجز له الرواية بالمعنى بغير خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه إذا تحققه، وإلا لم يجز له الرواية.
وأما إذا كان عالما بذلك، فقد قال طائفة من العلماء: لا يجوز إلا باللفظ أيضا.
وجوز بعضهم في غير حديث النبي فقط (1)؛ قال: لأنه أفصح من نطق بالضاد (2)، وفي تراكيبه أسرار ودقائق لا يوقف عليها إلا بها كما هي؛ لأن لكل تركيب معنى بحسب الوصل والفصل والتقديم والتأخير وغير ذلك؛ لو لم يراع ذلك لذهبت مقاصدها، بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة كالتخصيص والاهتمام وغيرهما، وكذا الألفاظ المشتركة والمترادفة، ولو وضع كل موضع الآخر لفات المعنى المقصود.
ومن ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): " نضر الله عبدا سمع مقالتي وحفظها ووعاها وأداها؛ فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " (3). وكفى هذا الحديث شاهدا بصدق ذلك.
والحق أن كل ذلك خارج عن موضوع البحث؛ لأنا إنما جوزنا لمن يفهم الألفاظ، ويعرف خواصها ومقاصدها، ويعلم عدم اختلال المراد بها في ما أداه.
وقد ذهب جمهور السلف والخلف من الطوائف كلها إلى جواز الرواية بالمعنى إذا قطع بأداء المعنى بعينه؛ لأنه من المعلوم أن الصحابة وأصحاب الأئمة ما كانوا يكتبون الأحاديث عند سماعها (4)، ويبعد - بل يستحيل عادة - حفظهم جميع الألفاظ