فصل [2] ولا شبهة أن العلوم تتفاضل - أيضا - في أنفسها. وأفضلية بعضها على بعض إما بحسب شرف الموضوع، أو بحسب تفاوت الغاية.
ولا يخفى أن العلوم الإسلامية أفضل مما عداها: أما الكلام فلشرف موضوعه وغايته. وأما باقي العلوم الإسلامية - من التفسير والحديث والفقه وما يتبع ذلك - فلما يترتب عليها من المصالح والسعادة الدنيوية والأخروية.
ويؤيد ذلك ما روينا بطرقنا المتصلة إلى محمد بن يعقوب، عن محمد بن الحسن، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان، عن درست الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال:
" دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد، فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال: ما هذا؟
فقيل: علامة. فقال: وما العلامة؟ فقالوا: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار والعربية. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ذلك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه. ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل " (1).
فعلى هذا يكون الزائد عما يحتاج إليه في العلوم الإسلامية من المنطق والحكمة والعلوم الرياضية والأدبية وغير ذلك كله فضلا لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه، بنص الرسول والأئمة عليهم الصلاة والسلام.
بل يكون الاشتغال به في مثل زماننا هذا سفها حراما على من لم يتفقه في دينه؛ لإفضائه إلى ترك الواجب، كما لا يخفى على من يؤمن بالله واليوم الآخر، وإن كانت هذه العلوم شريفة في أنفسها، فيكون الساعي فيها كذلك التارك لما يهمه من أمر دينه