وقال: " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك... أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ " (1) وما سمعت منا سابقا من تقسيم الأحكام إلى أحكام إلهية كان الرسول داعيا إليها و واسطة لإبلاغها، وكانت الأوامر الصادرة عنه في بيان هذه الأحكام أوامر إرشادية محضة، وإلى أحكام سلطانية مولوية صدرت عنه بما أنه كان ولى أمر المسلمين و حاكمهم، فليس معنى ذلك أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحكم في القسم الثاني بما يريده ويهواه، وأنه كان له أن يحكم بأحكام مضادة لأحكام الله - تعالى - ناسخة لها. بل الظاهر أن القسم الثاني كان أحكاما عادلة موسمية من قبيل الصغريات والمصاديق للأحكام الكلية الشاملة النازلة من قبل الله - تعالى - على قلبه الشريف.
فالروح الحاكم على مجتمع المسلمين ليس إلا ما أنزله الله - تعالى - حتى فيما ربما نسميها بالأحكام الثانوية، فإنها أيضا مستفادة من كبريات كلية أنزلها الله - تعالى - على نبيه، فتدبر. هذا.
والمأخذ لأحكام الله - تعالى -، كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لامن خلفه، والسنة القويمة، والعقل الخالي عن شوائب الأوهام والتعصبات الكاشف عن حكم الله - تعالى -. والمستخرج لها من هذه المآخذ هم الفقهاء الأمناء على حلاله و حرامه.
وليس عمل مجلس الشورى في الحكومة الإسلامية إلا المشاورة في ترسيم الخطوط والبرامج الصحيحة العادلة للبلاد والعباد ولا سيما القوة التنفيذية على أساس ضوابط الإسلام المستخرجة باجتهاد الفقهاء.
فللحكم الشرعي ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة التشريع. وهو حق لله - تعالى - الذي يملك البلاد والعباد،