العلم باختلافهما تفصيلا أو إجمالا في المسائل المبتلى بها، فالمترافعان لو جهلا حكم المسألة وكان غرضهما تحصيل العلم بها فلا محالة يجب عليهما من أول الأمر الرجوع إلى الأعلم. وأما إذا علما بها عن اجتهاد أو تقليد صحيح واختلفا في النظر، كما إذا كان نظر الورثة كون منجزات المريض من الثلث ونظر الموهوب له في مرض الموت كونها من الأصل فاحتاجا إلى الترافع والقضاء، فلا دليل حينئذ على تعين الرجوع إلى الأعلم، بل إطلاق المقبولة وغيرها يقتضي العدم، فتأمل.
وكيف كان فمقتضى إطلاق المقبولة والمشهورة والتوقيع الشريف مما دل على الإذن في القضاء هو كفاية الاجتهاد وعدم اعتبار الأعلمية ولم نجد ما يوجب رفع اليد عن هذا الإطلاق، فالظاهر عدم اعتبارها. ولو سلم فالظاهر أن المراد به هو الأعلم في البلد وما يقرب منه لا مطلقا كما هو واضح. هذا كله في مسألة القضاء.
وأما مسألة التقليد فللتفصيل فيها محل آخر. وملخص الكلام فيها أنه إن كان المستند للتقليد هي الروايات كالتوقيع الشريف ورواية تفسير الإمام ونحوهما فالإطلاق فيها يقتضي العموم وعدم تعين الأعلم.
وأما إذا قلنا بكون المستند فيه هو بناء العقلاء في رجوع الجاهل في كل فن إلى أهل الخبرة فيه وأنه ليس للشرع فيه تأسيس فالظاهر أن العقلاء مع العلم باختلاف أهل الخبرة كالأطباء مثلا تفصيلا أو إجمالا في المسائل المبتلى بها لهذا المقلد يقدمون الأعلم على غيره، بل لعلهم كذلك مطلقا في المسائل المهمة كالمريض الذي يخاف عليه التلف اللهم إلا إذا كان فتوى غير الأعلم مطابقا للاحتياط أو حصل منه وثوق واطمينان أقوى.
نعم، في المسائل الساذجة غير المهمة ربما يرجعون فيها إلى غير الأعلم أيضا، لكونه أسهل أو أقرب أو أخف مؤونة ونحو ذلك.
ولا يخفى أن المسائل الدينية كلها مهمة عند الشارع والمتشرعة. والاشتغال اليقيني بها يقتضي تحصيل البراءة اليقينية، وأصالة عدم الحجية أيضا تقتضي تعين الأعلم، فتدبر.