إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين، وهذا نص في موضع الخلاف.
وأيضا قوله تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين، وهذا عام في الأقارب والأجانب فمن خص به الأجانب دون الأقارب فقد عدل عن الظاهر بغير دليل، وأيضا فإن هذا إحسان إلى أقاربه وقد ندب الله سبحانه إلى كل إحسان عقلا وسمعا ولم يخص بعيدا من قريب بذلك، ولا فرق بين أن يعطيهم في حياته من ماله أو في مرضه وبين أن يوصى بذلك لأنه إحسان إليهم وفعل مندوب إليه، فإن قالوا فإن الآية منسوخة بآية المواريث وبما يروى عن النبي ص من طرق مختلفة من أنه: لا وصية لوارث، فالجواب عن ذلك أن النسخ بين الخبرين إنما يكون إذا تنافي العمل بموجبهما ولا تنافي بين آية المواريث وآية الوصية والعمل بمقتضاهما جميعا جائز سائغ، فكيف يجوز أن يدعى في آية المواريث أنها ناسخة لآية الوصية مع فقد التنافي؟ فأما الأخبار المروية في هذا الباب فلا اعتبار بها لأنها إذا سلمت من كل قدح وجرح وتضعيف كانت تقتضي الظن ولا تنتهي إلى العلم اليقين، ولا يجوز أن ينسخ بما يقتضي الظن كتاب الله تعالى الذي يوجب العلم، وإذا كنا لا نخصص كتاب الله تعالى بأخبار الآحاد فأولى أن لا ننسخه بها. وقد بينا ذلك في كتابنا في أصول الفقه وبسطناه.
ومعول القوم على خبر يرويه شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن عثمان عن عمرو بن خارجة عن النبي ص أنه قال: لا يجوز لوارث وصية، وعلى خبر يرويه إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت النبي ص يقول في خطبته عام حجة الوداع: ألا أن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث.
وعلى خبر يرويه إسحاق بن إبراهيم الهروي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله عن النبي ص أنه قال: لا وصية لوارث.
فأما خبر شهر بن حوشب فهو عند نقاد الحديث مضعف كذاب، ومع ذلك فإنه تفرد به عن عبد الرحمن بن عثمان وتفرد به عبد الرحمن عن عمرو بن خارجة، وليس لعمرو بن