نفقته على الاقتصاد، ولما ينفقه على نفسه ذاهبا وجائيا بالاقتصاد، وإلى المذهب الأول ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله، في سائر كتبه إلا في استبصاره (1)، ومسائل خلافه (2)، وإلى المذهب الثاني ذهب السيد المرتضى، في سائر كتبه، حتى أنه ذهب في الناصريات، إلى أن الاستطاعة التي يجب معها الحج، صحة البدن، وارتفاع الموانع، والزاد، والراحلة فحسب، وقال رحمه الله:
وزاد كثير من أصحابنا، أن يكون له سعة يحج ببعضها، وتبقى بعضا لقوت عياله، ثم قال رضي الله عنه: دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه، بعد الإجماع المتكرر ذكره، أنه لا خلاف في أن من حاله ما ذكرناه، أن الحج يلزمه (3).
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والذي يقوى في نفسي، وثبت عندي، وأختاره وأفتي به، وأعتقد صحته، ما ذهب إليه السيد المرتضى، وأختاره، لأنه إجماع المسلمين قاطبة، إلا مالكا فإنه لم يعتبر الراحلة، ولا الزاد، إذا كان ذا صناعة يمكنه الاكتساب بها في طريقه، وإن لم يكن ذا صناعة، وكان يحسن السؤال، وجرت عادته به، لزمه أيضا الحج، فإن لم يجر عادته به لم يلزمه الحج.
فأما ما ذهب إليه الفريق الآخر، من أصحابنا، فإنهم يتعلقون بأخبار آحاد، لا توجب علما ولا عملا، ولا يخصص بمثلها القرآن، ولا يرجع عن ظاهر التنزيل بها، بل الواجب العمل بظاهر القرآن، وهو قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " (4) ولا خلاف أن من ذكرنا حاله قادر على إتيان البيت، وقصده، لأنه تعالى قال " من استطاع إليه سبيلا " ولولا إجماع المسلمين على إبطال قول مالك، لكان ظاهر القرآن معه، بل أجمعنا على تخصيص المواضع التي أجمعنا عليها، وخصصناها بالإجماع، بقي الباقي، فظاهر