الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٥ - الصفحة ٤٨
هبوطه يهبط ويتبدل خفته ثقلا واما الطلوع (1) إلى عالم السماء وجنة الأرواح والسعداء والمنزل الاعلى فلا يمكنها ان ترقى إلى هناك بهذه الجثة الكثيفة، بل ببدن نوري من جنس تلك الدار إذا تخلصت من هذه البنية المظلمة، كما أن الطلوع إلى جنة المقربين وصقع الكاملين من الصور المفارقة العقلية ومثل الأفلاطونية النورية لا يتيسر
(١) ان قلت كيف يتمشى هذا الكلام مع القول بالمعراج الجسماني.
قلت ليس الكلام في نفوس الأنبياء ولا في مقام الاعجاز ففي نبينا الخاتم ليس الترقي بالجثة الكثيفة بمعنى ان السالبة منتفية بانتفاء الموضوع بل ترقيه بجسده اللطيف فان الجسم الذي يرى من خلفه كما من قدامه ولا ظل له ليس كثيفا بل هو الطف من الفلك الأقصى فهو عرج بجسده الظاهري كيف وهو قدس سره سيقول في المعاد الجسماني ان المحشور يوم النشور هو هذا البدن الذي في الدنيا والمعراج الجسماني والمعاد الجسماني توأمان يرتضعان من ثدي واحد متقاربان في الاحكام وليت شعري كيف يتفوه الحكيم العالم الرباني بأنه لم يعرج بجسمه وانما عرج بروحه مع أن عروج الروح يستلزم عروج الجسد فان الحقيقة هي الرقيقة وعروجها مستلزم لعروجها بل عين عروجها فضلا عن أن يعتقد بعروج جسده المثالي أيضا وصوره الشئ ماهيته التي هو بها هو لكن الانسان الحكيم العارف ينبغي ان لا يقف ويقصر على هذا الاستلزام والانطواء بل يعتقد عروج جسده الظاهري أيضا بالاستقلال وإذا بلغ الكلام إلى هذا المقام لا باس ان نذكر كلاما جمليا في باب المعراج فان التفصيل لا يناسب طور هذه التعليقة فنقول قد ورد في الأخبار المستفيضة وأشير في قوله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الآية انه لما اسرى به صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد الأقصى اتى جبرئيل ع بالبراق وعليه السرج واللجام المرصعان بالجواهر النفيسة وله أجنحة كالطيور ولما أراد ع ان يركب نفر وشرد البراق واتى به جبرئيل ثانيا وأركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحضر سلما له مدارج من الأرض إلى السماء فعرج به إلى السماوات تدريجا وشاهدهن وما فيهن ثم بدل البراق بالرفرف وعرج إلى أن كل جبرئيل ويرقى صلى الله عليه وآله وسلم إلى حريم الكبرياء وأوحى إلى عبده ما أوحى ورأى ما رأى وباقي التفصيل في الاخبار.
فوقع اختلاف عظيم بين الأمة.
فمنهم من قال إن هذه القضية كانت في المنام لرواية عويشية وخبر معاويوي وهذا القول من الأباطيل.
ومنهم من قال إنها كانت في اليقظة ولكن بالروح فقط.
ومنهم من قال إنها كانت بالجسد إلى المسجد الأقصى كما هو نص الكتاب لا إلى فوق السماء.
وهذا عندي باطل لان عروجه إلى السماء صار من ضروريات الدين وضروري الدين لا يطالب له مناط من الكتاب والسنة وغيرهما ولو وجد فهو تفضل نعم خصوصياته مأخوذة من الاخبار وضروري الدين كضروري العقل غنى عن الدليل.
ومعظم أهل الملة البيضاء قالوا إنها كانت في اليقظة وبالجسد من المسجد الحرام إلى ما فوق السماء.
ومذهب عرفاء الملة وبعض حكمائهم انها كانت في اليقظة كما ذكرناه ولكن بالجسد المثالي وجميع ما رآه عندهم صور مثالية كما ذكر الشيخ محى الدين في الصور الأخروية والشيخ الاشراقي في المرآتية فيقولون لكل معنى صوره ولكل حقيقة رقيقه فجميع ما يراه السلاك إلى الله تعالى محتاجة إلى التفسير عن التفسير كرؤيا محتاج إلى التعبير فالاسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى متحقق في عالم الصورة وهو صوره الانتقال في الملكوت من مقام إلى مقام وايتمام الأنبياء ع به في الصلاة صوره تأسي أولياء أمته المرحومة الذين هم ورثه الأنبياء به صلى الله عليه وآله وسلم والبراق صوره مركب الطاعات كما قال ع الصلاة معراج المؤمن والسرج واللجام صوره جمعية الخاطر وحضور القلب والجواهر النفيسة صور المحبة والاخلاص والخضوع والخشوع ونحوها وتفور البراق وتوحشه صوره خاطر بشرى في الأجرام واتيان جبرئيل إياه نفى ذلك الخاطر بالعقل الكلى الذي هو مسدده إلى الصواب بل روحانيته صلى الله عليه وآله وسلم والرفرف صوره جامعية بين الوحدة والكثرة وبين لوازم الروحانية ولوازم الطبيعة تخلقا بأخلاق من ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وشكل جبرئيل الذي هو كشكل دحية الكلبي صوره العقل الكلى ورقيقه روح القدس وكلال جبرئيل ومنه بالتشديد عن السير صوره أفضليته صلى الله عليه وآله وسلم عن الملائكة وان كانوا من الملائكة المقربين وتخطيه إلى مقام لا يقتحم فيه غيره وهو مقام أو أدنى كما أخبر عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ونعم ما قال العطار النيشابوري چون بخلوت جشن سازد با خليل * پر بسوزد در نگنجد جبرئيل چون شود سيمرغ جانش آشكار * موسى از وحشت شود موسيجه وار وقس على هذا سائر ما ورد وإياك ان تتوهم هذا قول بالمعراج الروحاني لان القائل بالروحاني فقط لا يقول بالصورة أصلا بل العروج عنده ترقيات روحانية للروح النبوي من غير أن يرى صوره سلم وترقيات على مدارجه الصورية والصعود على السماء هو التخطي فيه بخطوات الفكر واقدام العلم والبراق استعاره من الطاعة والسرج واللجام والجواهر النفيسة كنايات واستعارات عن ضبط القلب عن الخواطر النفسانية وورود الخواطر الملكية والربانية من غير صوره متمثلة وأشباح متجوهرة لها في حاله الغيبة وحين المراقبة فضلا عن رؤية صاحب السلوك نفسه إذ رب مراقب ومجاهد في سبيل الله يرى صور مجاهدته بان يشاهد معركة فيها مطاردة جنود نورية وجنود ظلمانية وغير ذلك ورب مراقب ومجاهد لا يرى صوره مجاهدته مع تحقق معناها لان ذلك امر لا يتيسر لكل سالك الا بقوة السلوك والعرفان وقدم النبوة والولاية والحق انه صلى الله عليه وآله وسلم عرج بجسده الشريف الظاهري في اليقظة إلى فوق السماء وبروحه القدسي إلى حريم أو أدنى وحريم الكبرياء وللمنكرين للعروج الجسماني شبهات أقواها امتناع الخرق والالتيام المقرر في الحكمة فذهب كثير من المتكلمين حتى المحقق اللاهيجي في گوهر مراد إلى اختصاص الامتناع بالفلك الأقصى وان الاخبار داله على عروجه صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما فوق السماء والسماوات في الشرع سبعه وما عداها العرش والكرسي فالخرق والالتيام حيث استلزما أن تكون الجهة محددة قبل الفلك الأطلس لا به مع أنه المحدد للجهات اختص امتناعهما به والعجب من هذا المحقق مع براعته في الفن كيف تفوه بذلك فان الفلك معناه الجسم البسيط ذو الطبيعة الخامسة التي هي مبدء الميل المستدير الابي عن الميل المستقيم فان قبل الميل المستقيم أو ما يلزمه كالحر والبرد والتخلخل والتكاثف ونحوها لم يكن فلكا وليت شعري باي ذنب استحق سلب اسم العنصر ولا تفاوت بينهما الا بمبدئي الميلين فبمجرد ان لا يجرى في الباقي دليل الامتناع المختص بالمحدد الذي هو من باب تحديد الجهة لا يرفع الامتناع من الباقي إذ الدليل غير منحصر فيه كما عرفت ونفى الخاص لا يستلزم نفى العام فالحق ان عروجه صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماوات حتى الأطلس مع كونه بجسده الشريف لا يستلزم الخرق لغاية لطافته التي وصفنا قليلا من كثيرها في أول الحاشية ألم تسمع ان أهل الصنعة يدبرون ادهانا إذا طلى على راحه الكف سرى إلى ظهره من دقته وأجساما يسمونها أرواحا لكثرة لطافتها من كثره التقطيرات والتصعيدات وغيرهما سريعه الغوص في أجسام آخر يسمونها أجسادا لكثافتها بحيث كأنها تنفذ في أقطارها لا في زمان وا لم تر ان وعاءا آخر مملوا من تراب لا يسع فيه تراب آخر أصلا ويسع الماء مقدارا يعتد به وإذا كان مملوا من الماء بحيث لا يسعه يسع الهواء وإذا كان زق مملوا من الهواء بحيث لا يسع الزيادة عليه منه يسع النار وقس عليه النار والفلك فرضا وكل سافل من فلك بالنسبة إلى أعلى منه لو فرض السريان كل ذلك لألطفية الساري من المسرى فيه فجسم النبي الختمي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو مركز دوائر الأفلاك لألطفيته منها لا غرو ان ينفذ في أقطارها ولا يخرقها ومن يقول إنه صلى الله عليه وآله وسلم عرج بجسده المثالي لا بجسمه الظاهري لو عرف ان النسبة بينهما نسبه التمام والنقصان وانهما كنقش قائم بلوح ثم يقوم بذاته بحيث يكون القائم بذاته جامعا لجميع ما هو من باب الكمال في ذلك القائم بالغير غير فاقد ما هو من باب الفعلية لم يتفوه بما قال ومن الشبهات قوله تعالى وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنه من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربى هل كنت الا بشرا رسولا فيتوهم انه نفى عن البشر مقدره العروج الحسى أقول التعجب بالنسبة إلى قوله تعالى أو تأتي بالله لا بالنسبة إلى الترقي إلى السماء فلا ينافي البشرية كما لا منافاة بين البشرية وبين أن تكون له جنه من نخيل وعنب وقس عليه سائر شبهاتهم الواهية وما سيأتي في تحقيق المعاد الجسماني نعم العون على تحقيق المعراج الجسماني فانتظر س ره