الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٥ - الصفحة ٤٣
العالية هيئات مؤلمة شريرة وأوهام مظلمة موحشة معذبة حتى يتعذب بها الأشقياء وما يتعذب به تلك النفوس على ما اعترفوا ليس الا هيئاتها الردية وتخيلاتها الكاذبة وعقائدهم الباطلة وآرائهم الخبيثة دون الصور المطابقة لما في الواقع لان الكائن في القابل الذي في غاية الخلوص والصفاء كالأجرام العالية من الفاعل الذي في غاية الشرف والتقدس كالمبادئ العقلية لا يكون الا صورا حقه ومثلا عينية مطابقه للأمور الواقعة في نفس الامر فلا يستتم ما قالوه ولا يستقيم ما تصوروه من كون تلك الصور مما يتعذب به الأشقياء كما أن هذا الرأي في الجرم الفلكي غير صحيح فكذلك في الجرم الابداعي المنحصر نوعه في شخصه غير صحيح لان هذا الجرم أيضا طبيعة خامسه فلكية على ما صوره وإن كان حيزه تحت كره القمر للزوم كونه عديم حركه الغير المستديرة دائما وسائر ما يلزمه من صفات الأفلاك ولعل عدد نفوس الأشقياء غير متناه فكيف يكون جرم موضوعا لتخيلاتهم أي لتصرفات نفوسهم فيه وفي صورها الادراكية الغير المتناهية المنقوشة فيه كما هو رأى هؤلاء القوم ولا أقل من أن يكون ذا قوه غير متناهية إذ لا بد ان يكون بإزاء كل ارتسام بصوره في جسم قوه استعدادية أو انفكاك في ذلك الجسم وهو معلوم الفساد بل الحق ما حققناه من أن الصور الملذة للسعداء أو المؤلمة للأشقياء في النشأة الثانية كما وعدها صاحب الشريعة الإلهية وأوعد عليها هي واقعه في نشأة أخرى وفي صقع آخر غير حاله في جرم من الأجرام ولا قائمه في قوه جرمية بل قائمه بذواتها انما مظاهرها نفوس هاتين الطائفتين بضرب من الفعل والتأثير كما أن الصور والأشباح التي في المرآة ليست قائمه بها بل مظهرها تلك المرآة بضرب من القبول ولا منافاة بين صدور الفعل عن قوه بجهة وانفعالها الذاذا وايلاما بجهة أخرى كما أن (1) الصحة والمرض البدنيين ينشئان من نفسه في بدنه في هذه الدار ثم تنفعل

(1) وكما أن الانسان في النوم تنشى ء نفسه الصور البهية وتلتذ نفسه بها وتنفعل منها والصور الموحشة وتنفعل بالخوف الألم منها فكما ان الطبيعة هنا بأسباب معدة من حسن تدبير أو سوء تدبير تعين عليها الصحة المعينة أو المرض المعين ولا تخصص من غير مخصص والشئ ما لم يجب لم يوجد والنفس أيضا هنا بأسباب مهيئة من اعمال اختيارية في اليقظة وأمور طبيعية مزاجية في البدن وروحه البخاري تعين عليها تصوير صوره خاصة من غير أن تكون بإرادة جزافية كذلك النفس في النشأة الآخرة لأجل سبق اعمال وملكات ساقها الأسباب القدرية إلى انشاء صور أخروية مناسبة لها لا يجوز عليها غيرها وان قويت مكيدته واشتدت مقدرته إذ السنخية معتبره بين العلة والمعلول ولهذا ورد انما هي أعمالكم ترد إليكم ونعم ما قال المولوي گر زخارى خسته أي خود كشته أي ور حرير قز درى خود رشته اي ولما كان كل المبادئ المفارقة والمقارنة وسائط فيضه تعالى وجهات فاعليته تعالى الكل من عنده قل كل من عند الله وكما لا ينافي موجوديته الحقيقية موجودية الأشياء كذلك لا ينافي ايجاده الحقيقي المحيط وعموم قدرته موجودية الأشياء وفاعليتها فالانسان لا بد ان يكون ذا العينين وهو الحسنة بين السيئتين س ره
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست