عرضها السماوات والأرض على وجه عقلي منور وبهذا الوجه يسمى خازن الجنة الرضوان لان السالك ما لم يبلغ إلى مقام الرضا لم يدخل الجنة ولا وصل إلى دار الكرامة والقرب كما ورد من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليعبد ربا سوائي وليخرج من ارضى وسمائي وقال تعالى ورضوان من الله أكبر ثم بعد هذا المقام لا بد ان ينتفى عنه القدرة حتى لا يرى لنفسه حولا ولا قوه وقدره مغايرة لقوه الحق وقدرته التي لا يخرج منها شئ من المقدورات ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم فيكون في مقام التوكل ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره وهو مقام التفويض وأفوض امرى إلى الله ثم بعد ذلك لا بد ان ينتفى منه صفه العلم لاضمحلال علمه في علم الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذره في الأرض ولا في السماء لان علمه تعالى بالأشياء عين ذاته والعارف ينظر بنور ربه الذي هو علمه بذاته وبغيره إلى الأشياء وليس له علم آخر به يعلم شيئا لقصر نظره على ملاحظة الحق وصفاته وآثاره من حيث هي آثاره فيستهلك علمه في علمه تعالى وهو مقام التسليم كما قال تعالى وسلموا تسليما وقوله سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقوله فسلام لك من أصحاب اليمين ثم بعد ذلك لا بد ان ينتفى وجوده الذي به كان يوجد من قبل ويضمحل في وجود الحق الذي به يوجد كل شئ ويقوم حتى لا يكون له في نفسه عند نفسه وجود وهذا مقام أهل الوحدة وهو اجل المقامات وأجل الكرامات وهو مقام أهل الفناء في التوحيد أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فهذا نهاية درجات السالكين إلى الله تعالى بقدم الايمان ونور العرفان وليس وراء عبادان قرية واما من لم يسلك سبيل أهل الوحدة وكانت أفعاله وأحواله على حسب ارادته ومقتضى طبعه فيكون كما أشار إليه بقوله تعالى ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن فيبصر لا محاله ممنوعا عما استدعاه هواه محجوبا عن مقتضى طبعه مشتهاة كما قال تعالى وحيل بينهم وبين ما يشتهون فوقع في سخط الله ونار غضبه أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله فيوصله الهواء إلى الهاوية محروما عن جميع ما يستلذه ويهواه قلبه فيقيد بالسلاسل والاغلال كما هو صفه العبيد والمماليك ويسلمه مالك نفسه إلى المهالك ولهذا يسمى خازن النار
(٣٧٦)