بالقدرة الجزئيتين ثم بالفعل وحيث يكون المعاد عودا إلى الفطرة الأصلية ورجوعا إلى البداية في النهاية فلا بد ان تنتفي من السالك هذه الصفات على التدريج والترتيب المعاكس للترتيب الأول الحدوثي فان السالك إلى الله بقدم الايمان ونور العرفان لا بد ان ينتفى منه أولا الفعل وهو مرتبه التقوى والزهد في الدنيا قوله تعالى ليس لك من الامر شئ وقوله ما ادرى ما يفعل بي ولا بكم ان الحكم الا لله ثم لا بد ان ينتفى منه الاختيار ولم يبق فيه اراده الا بإذن الله ورسوله بل تستهلك ارادته (1) في اراده الله ورسوله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة لان جميع الأشياء صادره منه على وفق قضائه وقدره على أبلغ وجه وأفضل نظام فإذا وصل إلى هذا المقام وتمكن فيه واستقام رضى بالقضاء وحصل له مقام الرضا واستراح من كل هم وغم وعذاب لأنه رأى الأشياء كلها في غاية الجودة والحسن والتمام ورأى رحمه الله وسعت كل شئ بل رأى العارف في كل شئ وجه الحق الباقي ورأى غيره هالكا إذ لا غير فرأى الحسن المطلق والجمال المطلق متجليا عليه في كل شئ فيكون مبتهجا به ملتذا منه راضيا فان من رأى صوره جمله العالم مكشوفة لديه حاضره عنده حضورا علميا على أحسن ترتيب وخير نسق ونظام من جهة العلم بالله وصفاته وأفعاله وبالجملة علم الأشياء من جهة العلم بأسبابها ومبادئها الآخذة من عند الله كما هو طريقه الصديقين الذين ينظرون بنور الحق إلى الأشياء يستشهدون به على كل شئ كما في قوله تعالى أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد وكان قبل هذا الشهود يرى الأشياء كسائر الناس بنور الحس أو بنور الفكرة المشوب بالظلمة المثير للغلط والخطاء فصارت الأرض غير الأرض في حقه وأشرقت الأرض بنور ربها عنده وكذا السماوات وما بينها فيكون في جنه
(٣٧٥)