من الحرارة الطبيعية لأنه معفن والحرارة يعطى التعفين في الأجسام القابلة للتعفن وهذا القدر كاف في تقوى النار أعاذنا الله منها في الدارين انتهى.
وهذا الكلام وإن كان مبناه على المقدمات الخطابية والتمثيلات الا انه إذا استقصى عاد برهانيا ولولا مخافة الاطناب لأوضحناه على وجه الحكمة وسبيل البرهان وإياك ان تحمل كلامه على أن جهنم ليست الا هذا العالم تحت الفلك الأقصى لما مر ان جهنم هي من النشأة الآخرة وان كانت صورتها هي مال الدنيا وباطنها وحقيقتها والذي ذهب إليه هذا المحقق من أن نضج فواكه الجنة وطبخ طعامها بحرارة هذا العالم وأشعة الكواكب سببه (1) ان الانسان انما يتكون وينمو ويتم خلقته وتكمل طبيعته باستحالات وانقلاب تطرء على مادته لا يمكن ذلك الا بحرارة غريزية محلله وتلك الحرارة مستفادة من حركات الأجرام الفلكية وأشعتها كما ثبت في مقامه.
ثم إن استكمال الانسان بحسب كلتا قوتيه النظرية والعملية انما يتم بالحركات البدنية والفكرية وحركه تحتاج إلى الحرارة والحرارة وحركه متصاحبتان لا ينفك إحداهما عن الأخرى وكما أن جميع الحركات في هذا العالم ينتهى إلى حركات الأفلاك سيما الفلك الأقصى فكذلك جميع الحرارات الغريزية والاسطقسية تنتهي إلى أضواء الكواكب سيما ضوء الشمس كما يظهر عند التفتيش والاعتبار والاستقراء ثم لا يخفى عليك ان كل مادة مصورة بصوره أدنى إذا انتقلت إلى أن تلبس بصوره أعلى فذلك انما يكون بان يحصل لها بصورتها الأولى شبه التعفن والهضم والانكسار كالحبة المدفونة في الأرض فما لم تضعف صورتها الجمادية ولم يتعفن باستيلاء الحرارة عليها لم تقبل صوره نباتية وكذا القياس في انتقالات النطفة في أطوارها النباتية والحيوانية وكذا الحكم في الترقيات الواقعة في النفس فإنها مسبوقه بانكسارات وانهضامات نفسانية منشاها الحركات البدنية في النسك البدنية والحركات الفكرية في النسك العقلية والكل منوط بحركات الأفلاك