وإذا كان العدم موجودا كان شرا حقيقيا ويكون ادراكه اللمسي ادراك امر مناف حاصل بنفسه للمدرك لان العلم الشهودي هو بعينه نحو وجود المعلوم الخارجي والمعلوم بهذا العلم إذا كان عدما خارجيا كان ذلك العدم مع كونه عدما أمرا موجودا فيكون شرا حقيقيا ففيه غاية الألم وغاية الشرية فافهم هذا فإنه دقيق غامض وبهذا يندفع شبهه (1) مشهورة وهي ان الألم شر مع كونه وجوديا لأنه ادراك المنافى والادراك امر وجودي فهذا ينافي قول الحكماء ان الشر الحقيقي مما لا ذات له في الخارج بل هو عدم ذات أو عدم كمال لذات ولا يكفي في الجواب ان الألم ليس شرا بالذات وانما هو شر بالعرض لان البداهة والوجدان يحكمان بان الألم شر في نفسه لصاحبه مع قطع النظر عن كونه فاقدا لعضو أو اتصال أو غير ذلك من النقصانات إذا تقرر هذا فنقول ان صوره جهنم في الآخرة هي صوره الآلام (2) التي هي اعدام ونقائص حاصله للنفس فالنفوس الشقية ما دامت على فطره تدرك بها النقائص والاعدام الموصوفة بها التي من شان تلك النفوس ان تتصف بمقابلتها يكون لها آلام شديده بحسبها فتلك الآلام فيها إلى أن يزول عنها ادراكها لتلك النقائص اما بتبدل فطرتها إلى فطره أدنى وأخس من تلك الفطرة أو بزوال تلك النقائص والاعدام بحصول مقابلاتها من جهة ارتفاع حال تلك النفوس وقوه كمالاتها واشتغالها بادراك أمور عاليه كانت تعتقدها من قبل وصارت ذاهلة عنها ممنوعه عن ادراكها لانصراف توجهها عنها إلى تلك الشواغل الحسية فعلى التقديرين يزول العذاب وتحصل الراحة والحاصل ان جهنم هي صوره الدنيا من حيث هي دنيا حاله في موضوع النفس يوم القيامة فتلك الصورة الجحيمية مشتملة على جميع ما في السماء والأرض من حيث
(٣٦٣)