قلنا صدقت ولكن فاتك نظر وذلك أن المسافرين على نوعين (1) مسافر يكون سفره مما هو فيه من الترفه من كونه مخدوما حاصلا له جميع أغراضه في محفة محموله على أعناق الرجال محفوظا عن تغير الأهواء فهذا مثله في الوصول إلى المنزل مثل أهل الجنة في الجنة ومسافر يقطع الطريق على قدميه قليل الزاد ضعيف المؤنة إذا وصل إلى المنزل بقيت معه بقية التعب والمشقة زمانا حتى تذهب عنه ثم يجد الراحة فهذا مثل من يتعذب ويشقى في النار التي منزله ثم تعم الراحة التي وسعت كل شئ ومسافر بينهما ليست له رفاهية صاحب الجنة ولا تعذب صاحب النار التي منزله فهو بين راحه وتعب فهي الطائفة التي تخرج بشفاعة الشافعين وباخراج ارحم الراحمين قال وهم على طبقات بقدر ما يبقى عنهم من الشقاء والتعب فيزول في النار شيئا فشيئا فإذا انتهت مدته خرج إلى الجنة وهو محل الراحة وآخر من بقي (2) هم الذين ما عملوا خيرا قط الا من جهة الايمان ولا باتيان مكارم الأخلاق غير أن العناية سبقت لهم ان يكونوا من أهل تلك الدار وبقى أهل هذه الدار الأخرى (3) فيها فغلقت الأبواب وأطبقت النار ووقع الياس من الخروج فحينئذ تعم الراحة أهلها لأنهم قد يئسوا من الخروج منها فإنهم كانوا يخافون الخروج منها لما رأوا اخراج ارحم الراحمين وهم الذين قد جعلهم الله على مزاج يصلح ساكن تلك الدار وتتضرر بالخروج منها كما بينا فلما يئسوا فرحوا فنعيمهم هذا القدر وهو أول نعيم يجدونه وحالهم فيها كما قدمناه بعد فراغ مده الشقاء فيستعذبون العذاب فتزول الآلام ويبقى العذاب ولهذا سمى عذابا لان المال استعذابه لمن قام به كمن يستحلي للجرب من يحكه ثم قال فافهم نعيم كل دار تستعذبه إن شاء الله تعالى ألا ترى صدق ما قلناه النار لا تزال متألمة (4) لما فيها من النقص وعدم الامتلاء حتى يضع الجبار قدمه فيها
(٣٥٨)