ثم يتفرق فرقتين فرقه إلى عالم الدنيا وعالم الشهادة وفرقه إلى عالم الآخرة وعالم الغيب وذلك كنهر واحد عظيم يجرى مجتمعا اجزاؤه على الاتصال ثم ينقسم إلى نهرين يجرى أحدهما إلى جانب اليمين وهو أشرف الجانبين وأنورهما وأقواهما والاخر إلى جانب الشمال وهو أخس الجانبين وأضعفهما وأظلمهما فالسعداء من الناس هم أصحاب اليمين وأهل الآخرة والأشقياء هم أصحاب الشمال وأهل الدنيا وقد أشرنا سابقا إلى أن أهل الدنيا أهل النار لان حقيقة جهنم وآلامها انما هي ناشئة من الدنيا وشهواتها وقد سبق أيضا انها ليست بدار مستقلة في الوجود لان الدار منحصرة في الدارين دار الأجسام الطبيعية الكائنة الفاسدة ودار الأجسام الروحانية الحية بحياة ذاتية وهي المتحدة مع الأرواح واما الفرق بين دار الدنيا ودار الجحيم هو ان النفوس الشقية ما دامت موجودة بحياتها الطبيعية كانت الدنيا دار نعيمها وتنعمت بشهواتها كالدواب والانعام وإذا انتقلت عن هذه الحياة الطبيعية وانبعثت إلى الآخرة وكانت شديده التعلق بالدنيا ولذاتها التي هي الآلام بالحقيقة وخيراتها التي هي شرور في الآخرة فانقلبت الدنيا نار جهنم في حقهم وشهواتها حيات وعقارب متمكنة في صميم قلبهم وطعامها وشرابها حميما وزقوما لهم كل ذلك متصورة بصورها المطابقة لمعناها متطلعة على أفئدة أهلها فلم يزل يحترق قلوبهم ونفوسهم بنار الحسد والغضب والتكبر وغيرها وجلودهم وأبدانهم بنار الطبيعة والشهوة وتلذعهم وتلسعهم حيات الهيئات السوء وعقاربها وهكذا إلى أن يشاء الله فظهر ان الدار داران والدنيا والجحيم في حكم دار واحده.
إذا تقرر هذا فنقول ان العرفاء وأهل التصوف اصطلح عندهم في التعبير عن نزول فيض الوجود عنه تعالى إلى هذا العالم وعالم الآخرة بتدلي القدمين منه تعالى على سبيل