لأنها ليست دارا روحانية خالصه بل هي مكدرة مشوبة بهذا العالم فكأنها هي (1) هذا العالم انساق إلى الآخرة بسائق القهرمان وزمام التسخير فالجهنمي يريد ما لا يجده ويشتهي ما يضره ويفعل ما يكرهه ويختار ما يعذبه ويهرب عما يصحبه قائلا كما حكى الله عنه يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين وجميع مشتهياته ومرغوباته عقاربه وحياته وبالجملة حقيقة جهنم وما فيها هي حقيقة الدنيا ومشتهياتها تصورت للنفوس الشقية بصوره مؤلمة معذبة لها محرقة لأبدانها مذيبة للحومها وشحومها مبدله لجلودها مشوهة لخلقتها مسوده لوجوهها ثم لما كانت (2) الدار الآخرة دار لا فاعل ولا مؤثر هناك الا الحق سبحانه إذ الأسباب المتقابلة والعلل المتضادة مرتفعه وكذا الموانع والقواسر والحجب منتفية في ذلك العالم فلا مؤثر ولا مالك الا هو الملك يومئذ لله فمن وافق رضاه القضاء الرباني وانخرطت ارادته في اراده الله واستهلكت خيرته في خيره الله كما في قوله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة كان فعله بعينه فعل الحق وكل من كان كذلك كان في نعيم دائم وبهجه فائقه ولذة غاشية فالمؤمن لا محاله في روضات الجنات ابدا وقد مر سابقا ان مشية العبد في الجنة عين مشية الحق تعالى ووجه ذلك أن جميع الأشياء صادره عن الواجب تعالى على الوجه الأتم والنظام الأحسن والخير الاعلى فمن استقام قلبه وسلمت فطرته عن الأمراض وخلصت ذائقته عن مرارة المعاصي وما تغيرت عن الاعتدال ولم تزل قدمه عن صراط الحق رضى بالقضاء (3) وحصل له مقام الرضاء والعبودية فلم يشأ الا ما شاء الله ولم يشأ الله
(٣٤٣)