واما سبيل المقربين من الرياضات العلمية وتوجيه القوى الادراكية إلى جانب القدس وتصقيل مرآة النفس الناطقة وتسويتها لئلا يتدنس بالأخلاق الردية ولم تصدء بما يورده الحواس إليها من أوصاف الأجسام ولم يتعوج بالآراء الفاسدة فإنها حينئذ يترائى صور الحقائق الايمانية ويشاهد الأمور الغائبة عن حواسها وتعقلها بصفاء جوهرها فاما إذا كانت النفس مما قد تدنست بالاعمال السيئة أو صدءت بالأخلاق الردية أو اعوجت بالآراء الفاسدة واستمرت على تلك الحال كأكثر أرباب الجدال بقيت محجوبة عن ادراك حقائق الأشياء الايمانية عاجزه عن الوصول إلى الله تعالى ويفوتها نعيم الآخرة كما قال الله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فمن أراد ان يصل إلى معرفه الله وصفاته وافعاله ومعرفة ارسال رسله وانزال كتبه وكيفية النشأة الآخرة وأحوال الانسان بعد الموت وسائر اسرار المبدء والمعاد بعلم الكلام وطريق المناظرة فقد استسمن ذا ورم وإذا جاء حين ان ينبسط القول في معاد النفوس وكيفية رجوعها إلى بارئها في العالمين ووصولها إلى قيومها في الإقليمين تبين لك كيفية الحشر الجسماني وارتجاع النفوس كلائه الأجساد باذن ولى الابداع والانشاء في المبدء والمعاد على ما وردت به السنة الشريفة ونطقت به السنة الشريعة ثم إن هؤلاء القوم بعد اتفاقهم في اعاده الجواهر اختلفوا في الاعراض فقال بعضهم يمتنع اعادتها مطلقا لان المعاد انما يعاد بمعنى فيلزم قيام المعنى بالمعنى (1) والى هذا ذهب بعض أصحاب الأشعرية وقال الأكثرون منهم بامتناع اعاده الاعراض التي لا تبقى كالأصوات والأدوار لاختصاصها عندهم بالأوقات (2)
(٣٦٢)