وقسموا الباقية إلى ما يكون مقدورا للعبد وحكموا بأنه لا يجوز اعادتها لا للعبد ولا للرب (1) والى ما لا يكون مقدورا للعبد وجوزوا اعادتها وذكروا في بيان كل واحد منها أدله واهية شحنوا بها وبسائر هوساتهم الكتب والدفاتر.
وأكثر آرائهم الفاسدة في الفضيحة والقباحة من هذا القبيل كتعدد القدماء واثبات الإرادة الجزافية ونفى الداعي في فعله وابطال الحكمة في خلقه وكونه تعالى محل الكلام النفسي والحديث الخيالي وثبوت المعدوم والجوهر الفرد مع ما يستلزمه من سكون المتحرك وتفكك الرحى والطفرة إلى غيرها من المموهات والمزخرفات.
كل ذلك لرفض الحكمة ومعاداة الحكماء وهم بالحقيقة أهل البدع والضلال وقدوة الجهلة والأرذال شرهم كلهم على أهل الدين والورع وضرهم على العلماء وأشدهم عداوة للذين آمنوا من الحكماء والربانيين هذه الطائفة المجادلة المخاصمة الذين يخوضون في المعقولات وهم لا يعرفون المحسوسات ويتعاطون البراهين والقياسات وهم لا يحسنون الرياضيات ويتكلمون في الإلهيات وهم يجهلون الطبيعيات.
وأكثر ما يجادلون به من المسائل المموهة المزخرفة التي لا حقيقة لها ولا وجود الا في الأوهام الكاذبة لا يصح لمدع فيها حجه ولا لسائل عنها برهان وإذا سئلوا عن حقيقة أشيائهم مقرون بها عند أكثر الناس لا يحسنون ان يجيبوا عنها فإذا استعصى عليهم البحث أنكروها وجحدوها ويأبون ان يقولوا لا ندري الله اعلم ورسوله نعم عباراتهم في غاية الفصاحة وألفاظهم في نهاية الجودة والملاحة فيوردون تلك الهوسات الفاسدة والعقائد الردية بأفصح العبارات ويكتبونه بأوضح الخطوط في أصح الأوراق ويسمعون الاحداث والعوام ويصورونها في قلوبهم