ويشتاق اليه الأشياء ويطلبه الموجودات ويدور عليه طبعا وإرادة وجبله وبين ان الأشياء ليست طالبه للمعنى المصدري ولا يكون مبتغاها ومقصودها مفهوما ذهنيا ومعقولا ثانويا وهذا في غاية الظهور والجلاء لا يليق ان يخفى بطلانه على أوائل العقول الانسانية من غير رجوعها إلى استعمال الفكر والروية.
فإذا تحقق ان وجود كل شئ هو نحو ظهوره بإفاضة نور الوجود عليه من القيوم الواجب بالذات المنور للماهيات ومخرجها من ظلمات العدم إلى نور الوجود فالخير بالحقيقة يرجع إلى حقيقة الوجود سواءا كان مجردا عن شوب الشرية التي هي عبارة اما عن قصور الوجود ونقصانه في شئ من الأشياء أو فقده وامتناعه رأسا أو لا يكون فالشر مطلقا عدمي اما عدم ذات ما أو عدم كمال وتمام في ذات ما أوفي صفه من صفاته الكمالية الوجودية فالشر لا ذات له أصلا (1).
واما الماهيات الامكانية والأعيان الثابتة في العقول فهي في حدود أنفسها لا يوصف بخيرية ولا شرية لأنها لا موجوده ولا معدومه باعتبار أنفسها ووجودها المنسوب إليها على النحو الذي قررناه مرارا خيريتها وعدمها شريتها.
فالوجود خير محض والعدم شر محض فكل ما وجوده أتم وأكمل فخيريته أشد وأعلى مما هو دونه فخير الخيرات من جميع الجهات والحيثيات حيث يكون وجود بلا عدم وفعل بلا قوه وحقية بلا بطلان ووجوب بلا امكان وكمال بلا نقص وبقاء بلا تغير ودوام بلا تجدد ثم الوجود الذي هو أقرب الوجودات اليه خير الخيرات الإضافية وهكذا الأقرب فالأقرب إلى الابعد فالأبعد والأتم فالأتم إلى الأنقص فالأنقص إلى أن ينتهى إلى أقصى مرتبه النزول وهي الهيولى الأولى التي حظها من