ويزيد الأمر إلحاحا في مثل هذا المورد، الذي لا يحصل إلا بالإخبار عن الله سبحانه عن طريق النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليه السلام).
4 - أما بالنسبة لاستخلاف النوع الإنساني أو آدم. فإنه قد استظهر أنه النوع الإنساني.. رغم وجود روايات عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) تصرح بأن المقصود هو خصوص آدم (عليه السلام)..
5 - إن ما استدل به على أن المقصود هو النوع الإنساني لا يصلح لإثبات ذلك..
فأولا: إن وصف الملائكة للخليفة بأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء، إنما هو استنتاج منهم - فقد روى هذا البعض نفسه رواية عن العياشي تقول: (إنهم قاسوه على من سبقه من الذين استخلفهم الله في الأرض، فأفسدوا فيها) ولم يكونوا على معرفة بنبوة آدم (عليه السلام)، لينزهوه عن الإفساد وسفك الدماء.. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ما علم الملائكة بقولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء (لو لا أنهم كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء) (1).
ثانيا: إن الله سبحانه لم يخبرهم بعدد من يستخلفه، فلم يقل لهم: هل هو واحد شخصي أو نوعي، أو جماعة أو غير ذلك.. وذلك يدل على أن الملائكة قد فهموا ما فهموه من عند أنفسهم بحسب ما استخلصوه من أمور عرفوها سابقا واستنبطوا منها أو قاسوا عليها.. وقد أظهر الله لهم أن ما فكروا فيه لم يكن صوابا..
ثالثا: إن ما ذكره من أن آدم شخص محدود لا يمكنه القيام بهذا الدور الكبير إنما يدخل في دائرة الاستحسانات التي لا محل لها.. فإن الخليفة الحقيقي لله - إن كان المقصود بالخليفة - الخليفة لله - هو آدم (عليه السلام)، وليس أحدا من العصاة والكفرة والجبارين.. فإن هؤلاء يفسدون في الأرض ولا يمثلون خلافة الله..
إذ ليس المقصود بالخلافة هو التجارة والصناعة والزراعة وبناء القصور والدور.. وإنما معنى أسمى من ذلك وهو تجسيد إرادة الله سبحانه على الأرض، وإعمارها بالإيمان والتقوى والعمل الصالح. كما عمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعمرها سائر أنبياء الله وأوصياء رسله..