وإذا قريش بالفخار تساجلت * كنت الجدير به وكنت زعيمها وعليك سلمت الغداة بامرة * للمؤمنين فما رعت تسليمها وقال النابغة في صفين وقد حدا بعلي ع.
قد علم المصران والعراق * ان عليا فحلها العتاق أبيض جحجاح له رواق * وامه غالى بها الصداق أكرم من شد له نطاق * ان الأولى جاروك لا أفاقوا لهم سباق ولكم سباق * قد علمت ذلكم الرفاق سقتم إلى نهج الهدى وساقوا * إلى التي ليس لها عراق وأورد له نصر في كتاب صفين شعرا وقال عندنا أكثر من مائة بيت فكتبت الذي يحتاج إليه:
سألتني جارتي عن أمتي * وإذا ما عيي ذو اللب سال سألتني عن أناس هلكوا * شرب الدهر عليهم واكل بلغوا الملك فلما بلغوا * بحساب وانتهى ذلك الاجل وضع الدهر عليهم بركة * فأبيدوا لم يغادر غير نل فأراني طربا في اثرهم * طرب الواله أو كالمختبل أنشد الناس ولا انشدهم * انما ينشد من قال أضل ليت شعري إذ مضى ما قد مضى * وتجلى الامر لله الاجل ما يظنن بناس قتلوا * أهل صفين وأصحاب الجمل أ ينامون إذا ما ظلموا * أم يبيتون بخوف ووجل وقال الدكتور يحيى الجبوري:
وقد سمي بالنابغة لنبوغه في الشعر وهو كبير، فقد امضى ثلاثين عاما من عمره لا يقول الشعر، ثم انطلق لسانه بعد ذلك يجيد الشعر، فنبغ بذلك شاعرا.
وقد جمعت بين النابغة وليد العامري صفات وصلات كثيرة، فكلاهما شاعر من بني عامر، ومخضرم من المعمرين، وكلاهما اهتم بالدفاع عن قومه والفخر بهم في الجاهلية، وكلاهما فقد أخاه فبكاه وقال فيه رثاء جيدا كثيرا، وكلاهما أدرك الاسلام ولقي رسول الله ص وتمسك بالاسلام وانصرف إلى القرآن فزهد وتنسك.
والنابغة الجعدي معدود في المعمرين الذين جاوزوا المائة سنة، وقد بالغ الرواة في هذه المجاوزة، فقالوا انه بلغ مائة وستين أو مائة وثمانين سنة، ويعتمدون في ذلك على أبيات انشدها النابغة لعمر بن الخطاب، هي قوله:
لبست أناسا فأفنيتهم * وأفنيت بعد أناس أناسا ثلاثة أهلين أفنيتهم * وكان الاله هو المشتاسا فسأله عمر:
كم لبثت مع كل أهل؟ قال ستين سنة ويريد بالأهل الجيل، ويقدره المحدثون بثلاثين إلى أربعين سنة فيكون قد عمر النابغة حوالي مائة وعشرين سنة على أكثر تقدير وهذا يتناسب مع عمر النابغة وطبيعة الحياة.
ويعتز النابغة بعمره الطويل الذي شهد فيه دهرا ممتدا في الجاهلية وقف فيه على أيامها واحداثها، وأدرك الاسلام فلقي رسول الله ص، وسمع القرآن واطمأن قلبه إليه وذلك حيث يقول:
قالت امامة كم عمرت زمانه * وذبحت من عثر على الأوثان ولقد شهدت عكاظ قبل محلها * فيها وكنت أعد ملفتيان وعمرت حتى جاء احمد بالهدى * وقوارع تتلى مع الفرقان ولبست مل اسلام ثوبا واسعا * من سيب لا حرم ولا منان وكان النابغة من القلة التي ثبتت في الجاهلية على دين إبراهيم دين الفطرة والتوحيد، فقد وحد الله سبحانه ولم يشرك به شيئا فسبحه وأثنى عليه بما هو أهل له، وكذلك حرم الخمر على نفسه، وأنكر أوثان وهجر الأزلام، وكان يذكر الله في جاهليته كثيرا ويلهج بحمده وتوحيده فينشد في ذلك قوله:
الحمد لله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما وبعد فتح مكة وانتصار الاسلام في حنين والطائف، سارعت القبائل البدوية إلى الدخول في دين الله، فخفت الوفود إلى لقاء رسول الله ص سنة تسع من الهجرة المباركة، وكان النابغة مع وفد قبيلته، فلقي الرسول الكريم، وبايعه على الاسلام، وانشده من شعره قصيدته الطويلة التي تحفل بالمعاني الدينية من ذكر الآخرة وحمد لله تعالى وتسبيحه والتفكير في آلائه، وذكر الرسول عليه الصلاة والسلام والثناء عليه بما هو أهله...
ويبدو ان النابغة كان قد هيا القصيدة قبل ذلك، أو انه أضاف إليها الجزء الاسلامي أثناء اقامته في المدنية، إذ انه لزمها وأقام فيها ولم يرجع إلى قبيلته في البادية، والقصيدة من ملاحم العرب البديعة التي استهلها بقوله:
خليلي غضا ساعة وتهجرا * ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا ويقول البغدادي: ان هذه القصيدة طويلة تقع في نحو مائتي بيت انشدها كلها بين يدي رسول الله ص وكان الرسول قد أعجب بها واثنى على النابغة، يقول فيها ذاكرا حاله وايمانه وثباته على الدين:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى * ويتلو كتابا كالمجرة نيرا وجاهدت حتى ما أحس ومن معي * سهيلا إذا ما لاح ثمت غورا أقيم على التقوى وارضى بفعلها * وكنت من النار المخوفة أوجرا وقد تمثل النابغة الآيات الكريمة، وظهر اثرها في هذه القصيدة كما حاول ان يستعمل التعابير القرآنية والألفاظ الاسلامية كما ترى في هذه الأبيات من مثل: الهدى والكتاب والجهاد والنار المخوفة وهكذا، ثم يمضي في انشاد القصيدة والرسول الكريم يستمع، فإذا بلغ قوله:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * وانا لنبغي فوق ذلك مظهرا قال رسول الله ص فأين المظهر يا أبا ليلى؟ وأبو ليلى كنية النابغة الجعدي فقال: الجنة يا رسول الله، فقال النبي ص قل إن شاء الله قال: إن شاء الله، ثم مضى في انشاده يقول:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له * بوادر تحمي صفوة ان يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما اورد الامر أصدرا