عمرو بن شمر قال حمل عمار يوم صفين وهو يقول:
كلا ورب البيت لا أبرح اجي * حتى أموت أو أرى ما أشتهي أنا مع الحق أحامي عن علي * صهر النبي ذي الأمانات الوفي ونقطع الهام بحد المشرفي وروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري في زيادات كتاب السقيفة قال نادى عمار بن ياسر يوم بويع عثمان يا معشر المسلمين انا قد كنا وما كنا ن نستطيع الكلام قلة وذلة فأعزنا الله بدينه وأكرمنا قلة و ذلة فأعزنا الله بدينه وأكرمنا برسوله فالحمد لله رب العالمين يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم تحولونه ههنا مرة وههنا مرة ما انا آمن ان ينزعه الله منكم ويضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله فقال له هشام بن الوليد بن المغيرة يا ابن سمية لقد عدوت طورك وما عرفت قدرك ما أنت وما رأت قريش لانفسها انك لست في شئ من أمرها وامارتها فتنح عنها وتكلمت قريش بأجمعها فصاحوا بعمار وانتهزوه فقال الحمد لله رب العالمين ما زال أعوان الحق أذلاء ثم قال فانصرف اه.
وكان عمار حليفا لبني مخزوم ولهذا لما نال غلمان عثمان من عمار ما نالوا من الضرب لانتقاده ولاة عثمان حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعا من أضلاعه اجتمعت بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان.
وسبب ذلك ان عثمان بن عفان أرسل رجالا يتحرون العمال ومنهم عمار إلى مصر فعادوا يمتدحون الولاة الا عمارا استبطاه الناس حتى ظنوا انه اغتيل فلم يفاجئهم الا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح والي مصر وهو أخو أبي سرح من الرضاعة يخبرهم ان عمارا قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه، فكان تصريح عمار بالحق سبب اعتداء غلمان عثمان عليه ولم يمنعه ذلك أن يجاهر بالحق ويذكر مظالم والي مصر عبد الله بن سعد المذكور، فصدق عليه انه ممن لا تأخذه لومة لائم في سبيل الحق وهو أول من جاهر فيه ولم يداهن الولاة ولم يبال بطشهم، فكان أول مفتش إداري مخلص.
روى نصر بن مزاحم انه لما كانت وقعة صفين ونظر عمار إلى راية عمرو بن العاص قال: والله ان هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن، و رواية ابن جرير في تاريخه: لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله ص وهذه الرابعة ما هي أبر ولا أتقى.
وروى ابن جرير وابن عبد البر عن الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: شهدنا مع علي صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين الا رأيت أصحاب محمد ص يتبعونه كأنه علم لهم وسمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم تقدم الجنة تحت ظلال السيوف والموت في أطراف الأسل اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل ثم قال:
نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله فلم أر أصحاب محمد ص قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ.
قال ابن الأثير: خرج عمار بن ياسر على الناس يوم صفين فقال اللهم انك تعلم اني لو أعلم ان رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللهم انك تعلم لو اني اعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت واني لا أعلم اليوم عملا أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو اعلم عملا هو أرضى منه لفعلته والله لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعملنا انا على الحق وانهم على الباطل ثم قال: من يبتغي رضوان الله لا يرجع إلى مال ولا ولد فاتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون بدم عثمان والله ما أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحقبوها وعلموا ان الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها ولم تكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم بان قالوا امامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا فبلغوا ما ترون ولولا هذه الشبهة لما تبعهم رجلان من الناس اللهم ان تنصرنا فطالما نصرت وان تجعل لهم الامر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم، ثم مضى وهو يقول: الجنة تحت ظلال السيوف والموت تحت أطراف الأسل اليوم القى الأحبة محمدا محزبه، وتقدم حتى دنا من عمرو بن العاص فقال: يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا لك فقال عمرو: لا ولكن اطلب بدم عثمان فقال له عمار: أشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشئ من فعلك وجه اله تعالى وأنك ان لم تقتل اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك لغد؟ ثم قاتل عمار ولم يرجع حتى قتل.
وكان الذي تولى قتل عمار أبو الغادية الفزاري وابن جزء السكسكي فاما أبو الغادية فطعنه برمح وأما ابن جزء فاحتز رأسه فاقبلا يختصمان كلاهما يقول: أنا قتلته فقال عمرو بن العاص: والله ان يختصمان الا في النار فسمعها معاوية فقال لعمرو: ما رأيت مثلما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما إنكما تختصمان في النار فقال عمرو: هو والله ذاك وانك لتعلمه ولوددت اني مت قبل هذا بعشرين سنة.
ومقتل عمار أزال الشبهة لكثير من الناس وكان سببا لرجوع جماعة إلى أمير المؤمنين علي ع والتحاقهم به كما جرى لخزيمة بن ثابت فإنه ما زال كافا سلاحه معتزلا الحرب في الجمل وفي بعض أيام صفين حتى قتل عمار فاصلت سيفه وقاتل مع علي ع حتى قتل وقال: سمعت رسول الله ص يقول تقتل عمارا الفئة الباغية.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لأبيه عمرو حين قتل عمار:
أ قتلتم عمارا وقد قال فيه رسول الله ص ما قال؟ فقال عمرو لمعاوية:
أ تسمع ما يقول عبد الله؟ فقال معاوية: انما قتله من جاء به وسمعه أهل الشام فقالوا: انما قتله من جاء به.
ورواية ابن جرير الطبري عن أبي عبد الرحمان السلمي: فلما كان الليل قلت: لأدخلن إليهم حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا فركبت فرسي وقد هدأت الرجل ثم دخلت وإذا أنا بأربعة يتسايرون:
معاوية وأبو الأعور السلمي وعمرو بن العاص وهو خير الأربعة، فأدخلت فرسي بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين فقال عبد الله لأبيه: يا أبت قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال فيه رسول الله ص ما قال،