أنه قال جمعه بين الدنيا والآخرة مصداق قول الصادق (عليه السلام) وقد يجمعها الله تعالى لا قوام اه وكان يعرف بأبي الثمانين خلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مصنفاته ومقروءاته ومحفوظاته وعن الثعالبي في اليتيمة انها قومت بثلاثين ألف دينار بعد ان اهدى إلى الرؤساء والوزراء منها شطرا وما كان ظني انني سأبيعها * ولو خلدتني في السجون ديوني ولكن لضعف وافتقار وصبية * صغار عليم تستهل شؤوني فقلت ولم أملك سوابق عبرة * مقالة مكوي الفؤاد حزين:
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك * كرائم من رب بهن ضنين فارجع النسخة إليه وترك الدنانير (1).
2 قرأت بخط محمد بن إدريس الحلي الفقيه الامامي قال:
حكى أبو حامد أحمد بن محمد الأسفراييني الفقيه الشافعي قال:
كنت يوما عند فخر الملك أبي غالب محمد بن خلف وزير بهاء الدولة وابنه سلطان الدولة، فدخل عليه الرضي أبو الحسن، فأعظمه وأجله، ورفع من منزلته، وخلى ما كان بيده من القصص والرقاع، وأقبل عليه يحادثه إلى أن انصرف. ثم دخل بعد المرتضى أبة القاسم رضي الله عنه ، فلم يعظمه ذلك التعظيم، ولا أكرمه ذلك الاكرام، وتشاغل عنه برقاع يقرؤها، وتوقيعات يوقع بها، فجلس قليلا، وسأله أمرا فقضاه، ثم انصرف.
قال أبو حامد: فتقدمت إليه وقلت له: أصلح الله الوزير، هذا المرتضى هو الفقيه المتكلم، صاحب الفنون، وهو الأفضل والأمثل منهما، وانما أبو الحسن شاعر، قال: فقال: إذا انصرف الناس، وخلا المجلس أجبتك عن هذه المسألة، قال: وكنت مجمعا على الانصراف فجاءني أمر لم يكن في الحساب، فدعت الضرورة إلى ملازمة المجلس إلى أن تقوض. الناس واحدا فواحدا، فلما لم يبق الا غلمانه وحجابه دعا بالطعام، فلما أكلنا وغسل يديه وانصرف عنه أكثر غلمانه ولم يبق عنده غيري، قال لخادم له: هات الكتابين اللذين دفعتهما إليك منذ أيام، وأمرتك أن تجعلهما في السفط الفلاني، فأحضرهما، فقال: هذا كتاب الرضي، اتصل بي انه قد ولد له، فأنفذت إليه ألف دينار، وقلت:
هذا للقابلة، فقد جرت العاد أن يحمل الأصدقاء إلى أخلائهم، وذوي مودتهم مثل هذا في مثل هذه الحال، فردها، وكتب إلي هذا الكتاب فاقرأه، فقرأته وهو اعتذار على الرد وفي جملته: اننا أهل بيت لا يطلع على أحوالنا قابلة غريبة، وانما عجائزنا يتولين هذا الامر من نسائنا، ولسن ممن يأخذن أجرة، ولا يقبلن صلة. قال فهذا هذا.
وأما المرتضى فإننا كنا قد وزعنا وقسطنا على الأملاك ببادوريا تقسيطا نصرفه في حفر فوهة المعروف بنهر عيسى، فأصاب ملكا للشريف المرتضى بالناحية المعروفة بالداهرية من التقسيط عشرون درهما، ثمنها دينار واحد، قد كتب إلي منذ أيام في هذا المعنى هذا الكتاب، فاقرأه، فقرأته، وهو أكثر من مائة سطر، يتضمن من الخضوع والخشوع، والاستمالة والهز، والطلب والسؤال، في اسقاط هذه الدراهم عن املاكه المشار إليها ما يطول شرحه. قال فخر الملك: فأيهما ترى أولى بالتعظيم والتبجيل: هذا العالم المتكلم الفقيه الأوحد ونفسه هذه النفس، أم ذلك الذي لم يشتهر الا بالشعر ونفسه تلك النفس؟ فقلت:
وفق الله سيدنا الوزير (2).
هاتان قصتان تتفارقان مفارقة كلية، تدل أولاهما على نبل السيد وسمو روحه، وتدل الثانية على نفس متخاذلة متهالكة، لا تحسن في سبيل التوفر على دينار واحد أن تحفظ مقامها الاجتماعي.
أما الأولى فلا تكاد تبعد كثيرا عما عرف عن السيد من مقام اجتماعي، وخلق نفسي، وأما الثانية وهي التي تبدو ناشزة على سير الشريف فهي التي وعدت ان أضع بين يديك أمر النظر فيها.
القصة يرويها ابن أبي الحديد في سبيل التنويه بمقام الرضي ونحن لا نحيل التنويه بمقامه فقد كان مجمعا على فضله ولكن التنويه بمقام انسان لا ينبغي ان يتم على حساب انسان آخر، ليتخذ منه سبيل مقارنة ومفارقة. وسننقد القصة من حيث سندها ورواتها وما اختلفت عليه الروايات:
أ يقول ابن أبي الحديد في سند روايته: قرأت بخط محمد ابن إدريس الحلي (3) الفقيه الامامي. وأنا استبعد جدا ان يسجل محمد بن إدريس الحلي الامامي على المرتضى هذه المنقصة، وقد عرف ابن إدريس بأنه من رأى المرتضى في كثير من مسائل الفقه، ومن مشايعيه في رأيه الأصولي، ومن تلاميذ مدرسته، بحيث متى ذكر ابن إدريس قرن بالسيد المرتضى في كثير مما تدفع به عن ابن إدريس المآخذ الفقهية.
ب حكى أبو حامد أحمد بن محمد الأسفراييني الفقيه الشافعي.
والشافعي أبو حامد الأسفراييني على عظم مقامه، وسمو منزلته في نظر الشافعية خاصة كان معاصرا للمرتضى وقرنا له في الزعامة المذهبية (4) ومن أجل الأسفراييني اخرج الشيخ المفيد أستاذ المرتضى من بغداد (5) وكانت العداوة يومئذ بين الامامية والشافعية في ذات أئمتها بالغة ذروتها.
ج كنت يوما عند فخر الملك... الخ. ان علاقة المرتضى ب فخر الملك كانت وثيقة جدا، وكانت العواطف المتبادلة بينهما لا نظير لها في كل من عرفت للسيد صلة به، وكانا يتزاوران ويصطحبان (6) وللسيد في مدحه قصائد جياد تنيف على عشرين قصيدة (7)، وإذ قتل فخر الملك جزع السيد جزعا شديدا، ورثاه بقصائد أربع، لم يرث بمثلها خليفة أو ملكا أو صديقا، وأقسم بعد قتله الا يقول الشعر، وظل منقطعا عنه سنين