حتى يستقيه ويحوزه فيملك بالحيازة والاستقاء، ومن قال إنه مملوك قال جاز أن يبيع منه شيئا وهو في البئر إذا شاهده المشتري كيلا أو وزنا ولا يجوز أن يبيع جميع ما في البئر، لأنه لا يمكن تسليمه، لأنه ينبع ويزيد كلما استقى شئ منه، فلا يمكن تمييز المبيع من غيره.
وأما الضرب الثالث من الآبار، وهو إذا نزل قوم موضعا من الموات فحفروا فيه بئرا ليشربوا منها ويسقوا بهائمهم ومواشيهم منها مدة مقامهم، ولم يقصدوا التملك بالإحياء فإنهم لا يملكونها لأن المحيي لا يملك بالإحياء إلا إذا قصد تملكه به، فإذا ثبت أنه لا يملكه فإنه يكون أحق به مدة مقامه، فإذا رحل فكل من سبق إليه فهو أحق به، مثل المعادن الظاهرة.
فكل موضع قلنا إنه يملك البئر فإنه أحق من مائها بقدر حاجته لشربه و شرب ماشيته وسقى زروعه فإذا فضل بعد ذلك شئ وجب عليه بذله بلا عوض لمن احتاج إليه لشربه وشرب ما شيته من السابلة وغيرهم، وليس له منع الماء الفاضل من حاجته حتى لا يتمكن غيره من رعي الكلاء الذي بقرب ذلك الماء، وإنما يجب عليه ذلك لشرب المحتاج إليه وشرب ماشيته فأما لسقي زرعه فلا يجب عليه ذلك، لكنه يستحب.
وفيهم من قال يستحب ذلك لشرب ماشيته وسقي زرعه، ولا يجب، وفيهم من قال يجب بذله بلا عوض لشرب الماشية ولسقي الزرع، وفيهم من قال يجب عليه بالعوض فأما بلا عوض فلا.
وإنما قلنا ذلك لما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الناس شركاء في ثلاث النار والماء والكلاء. وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع فضل الماء فإذا ثبت أنه يلزمه البذل، فإنه لا يلزمه بذل آلته التي يستقي بها من البكرة والدلو والحبل وغير ذلك، لأن ذلك يبلى بالاستعمال، ويفارق الماء لأنه ينبع فيخلف وأما الماء الذي حازه وجمعه في حبه أو جرته أو كوره أو بركته أو بئره أو مصنعه أو غير ذلك فإنه لا يجب عليه بذل شئ منه، وإن كان فضلا عن حاجته بلا خلاف، لأنه لا مادة له.