وأما إن كان وارثا فالحكم في الشفعة والبيع فيها خمسة أوجه:
أحدها يصح البيع في الكل، لكن الشفيع يأخذ النصف بكل الثمن، ويكون للمشتري النصف الآخر بغير بدل، لأن الشفيع لا يمكنه أن يأخذ كل المبيع بكل الثمن لأن هناك محاباة تصير إليه، وهو وارث، ولا محاباة للوارث، فتكون المحاباة للمشتري لأنه أجنبي، ويكون ما بقي بكل الثمن للشفيع، فيكون بالخيار بين أن يأخذها أو يدع، لأنه بمنزلة أن يشتري نصف المبيع بعقد مفرد، والنصف الباقي وصية بعقد آخر، ولو كان على هذا كانت الوصية للأجنبي والمبيع للشفيع.
والوجه الثاني يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما قابل الثمن، ويكون الشفيع بالخيار في أن يأخذ أو يدع. وإنما قال يبطل البيع في قدر المحاباة لأنه لا يمكن أن يأخذها الشفيع، لأنه وارث، ولا يمكن أن يقال للشفيع خذ نصف المبيع بكل الثمن، ودع النصف بغير بدل، لأن المشتري ملك الكل بالثمن، وإذا لم يمكن هذا أبطلنا المحاباة، وأخذنا ما عداها، فيأخذ الشفيع جميع ما ملكه المشتري بكل الثمن.
والوجه الثالث البيع باطل في الكل لأنا قررنا أن الشفيع لا يأخذ الكل بكل الثمن، ولا النصف بكل الثمن، فإذا تعذر أن يأخذ الشفيع الكل أو البعض فلا بد من إبطال البيع في الكل لأنه لا يمكن تبقيته على المشتري، وإسقاط حق الشفيع، فأبطلنا الكل.
والوجه الرابع يصح البيع في الكل، ويأخذه الشفيع بالثمن المسمى، وهو أصحها، وبه يفتي من خالف الآمرين أحدهما أن المحاباة وصية، وإنما لا تصح للوارث إذا تلقاها من المورث، فأما إذا كانت لأجنبي والوارث استحقها على الأجنبي فلا يمنع ذلك، ألا ترى أنه لو أوصى لفقير بثلث ماله، وكان لوارثه على الفقير دين كان لمن له الدين مطالبته بالدين، واستيفاء حقه منه وإن كان نفع الوصية انتقل إلى وارثه، وأيضا فإن الاعتبار بالمشتري لا بالشفيع، بدليل أن المشتري لو كان وارثا بطلت المحاباة وإن كان الشفيع غير وارث، اعتبارا بالمشتري لا بالشفيع.