منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٦ - الصفحة ٢٠٩
إذا كان الفعل معدا لوجود الغرض وأنيط تحققه بأمور خارجة عن قدرة المكلف كما في حرث الأرض وإلقاء البذر فيها لصيرورته سنبلا، فلا يوجب الاحتياط العلم بترتب الملاك على الاتيان بكل ما يحتمل دخله في حصوله. وحيث إن جل الأحكام الشرعية بل كلها من قبيل المعدات لملاكاتها، فلا مجال للتمسك لوجوب الاتيان بالأكثر بلزوم تحصيل العلم عقلا بحصول الغرض المنوط بإتيان الأكثر.
لكن فيه: أن المعول في معرفة كون الافعال المتعلقة للأحكام الشرعية معدات أو عللا تامة لترتب ملاكاتها الداعية إلى تشريع أحكامها عليها هو الأدلة المتكفلة لبيان ترتبها على تلك الأفعال، ومن المعلوم ظهورها في ترتبها عليها بدون توسيط مقدمة وضم إرادة فاعل مختار إليها، ومقتضى أصالة التطابق بين مقامي الثبوت والاثبات هو كون الافعال عللا تامة لترتب الملاكات عليها، لا أن تكون معدات لذلك، حيث إن دخل أمر آخر في حصول الغرض يتوقف على مئونة زائدة ثبوتا وإثباتا، والاطلاق كاشف عن انحصار المحصل له في خصوص الفعل المتعلق به الطلب ودافع لاحتمال دخل غيره فيه، و يشهد له ما ورد في خطبة الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها: (جعل الصلاة تنزيها من الكبر والزكاة تنمية للمال والامر بالمعروف مصلحة للعامة.).
والحاصل: أن عد الأحكام الشرعية كالتكوينيات نظير إلقاء البذر و نحوه مما يكون معدا لحصول الغرض مما لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، وحيث إن الاغراض مترتبة على نفس الافعال فيستكشف منه أن الفعل مستقل في التأثير، ولا بد من الاحتياط حينئذ عند دوران الامر بين ترتب الغرض الملزم على الأقل وترتبه على الأكثر بإتيان الأكثر.