منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٥ - الصفحة ٥٧٦
والترك، إذ موضوع الأحكام الشرعية سواء الاقتضائية أم التخييرية هو فعل المكلف، وليس الترك موضوعا لحكم أصلا، إذ المصالح و المفاسد التي هي مناطات الاحكام قائمة بالافعال، ولا ينحل كل حكم إلى حكمين يتعلق أحدهما بالفعل والاخر بالترك حتى المباح، فان معناه الترخيص في الفعل وليس تركه محكوما بحكم ترخيصي آخر غير ما تعلق بالفعل، وقد نبهنا على ذلك في الجز الثالث من هذا الشرح، فلاحظ.
وعليه ففعل المكلف لا يخلو بمقتضى العلم الاجمالي بالوجوب أو الحرمة من حكم إلزامي، ويصح الإشارة إليه ويقال: ان هذا الفعل اما واجب واما حرام، ومع العلم التفصيلي بالالزام المتعلق بالفعل كيف يمكن أن يحكم عليه بأنه مباح؟ إذ لا يعقل أن يكون الفعل الواحد مركبا لاعتبارين متضادين أو متناقضين.
ومنه ظهر أن مرتبة الحكم الظاهري غير محفوظة هنا كما أفاده المحقق النائيني (قده) ولا تصل النوبة إلى الجمع بين المعلوم بالاجمال وبين الحكم الظاهري بفعلية الثاني دون الأول. أو إلى القول بأن المخالفة هنا التزامية لا بأس بها.
نعم لا بد من إرجاع كلامه (قده) إلى أن العلم بالالزام علم إجمالي بإحدى الخصوصيتين، إذ الالزام بنفسه ليس حكما شرعيا مجعولا، لانحصار الاحكام في الخمسة، بل هو منتزع من الوجوب والحرمة، ومجعول الشارع هو نوع التكليف لا غير، فالمقام نظير العلم بالالزام مع تعدد المتعلق، فإنه علم إجمالي بإحدى الخصوصيتين من وجوب هذا أو حرمة ذاك، ولذا يكون منجزا ومصححا للعقوبة على مخالفته.