منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٥ - الصفحة ٣٤٢
لاستحقاق المؤاخذة على المخالفة - كالمعذرية - وهي المصححية للاعتذار - لم يتعلق بهما جعل شرعي، بل هما اعتباران عقليان ينتزعان مما يكشف ذاتا عن الواقع كالعلم أو عرضا كالطريق العلمي الكاشف عن الواقع بمعونة تتميم الكشف، فحكم العقل بالتنجيز منوط بموضوعه وهو البيان الواصل من قبل المولى، ومن المعلوم أن مفاد دليل اعتبار الامارة ليس جعل المنجز، بل إلغاء احتمال الخلاف ونحوه، فمدلول (صدق العادل) هو إيصال الواقع إلى المكلف بخبر الثقة المستلزم لكون الخبر منجزا له وقاطعا للعذر الجهلي، فمفاد أدلة الاحتياط أيضا جعل احتمال التكليف الإلزامي بعد الفحص بيانا شرعا على الواقع المحتمل ولو بعنوان آخر معرف له، كبيانية الاحتمال عقلا قبل الفحص.
وعليه فما يظهر من كلماته (قده) في مواضع من تعلق الجعل الشرعي بنفس التنجيز لا يخلو من مسامحة.
وثانيا: بعد تسليم إمكان جعل المنجز، وعدم اختصاص التنجيز بما يكشف عن الواقع ذاتا، أنه وان لم يتعلق الهيئة بما هو قابل للتنجيز مثل الخبر واليقين السابق في الاستصحاب والاحتمال في باب الاحتياط، لكنه يمكن استكشاف جعل المنجزية إنا من أدلة اعتبار الخبر والاستصحاب والاحتياط، فإنها تتوقف على اعتبار الشارع أولا وإبراز هذا الاعتبار ثانيا، وما دل عليه مطابقة أو التزاما كاف في إثبات المقصود، فان مثل قوله عليه السلام: (صدق العادل) أو (لا تنقض اليقين بالشك) أو (احتط) لو لم يكشف بالملازمة العرفية عن منجزية الخبر واليقين السابق والاحتمال لم يكن مصححا للمؤاخذة على مخالفة المؤدى واليقين السابق والاحتمال على تقدير مصادفة الواقع.