الفرق بينها وبين الاعراض النسبية، كمقولة الأين فغير ظاهر.
قلت: الفرق بينهما، ان تلك الاعراض انما وضعت لهيئات ذوات نسب، مثلا مقولة الأين انما هي الهيئة القائمة بالكائن في المكان، واما الحروف فإنما وضعت للنسب الخاصة، مثلا كلمة " في " وضعت لنسبة الكون في المكان، و " من " وضعت لنسبة المبتدء به بالمبتدأ منه.
فان قيل: ان مثل قولنا: " زيد في الدار " يدل على مقولة الأين بلا ريب، والدال عليها في هذه الجملة أحد أمرين: فاما ان يكون هو لفظ الدار ولو مجازا، وهو خلاف الوجدان.
واما يكون هو لفظ " في "، فيعلم من ذلك أن كلمة " في " انما وضعت للعرض النسبي المعبر عن وجوده بالوجود الرابطي، لا لربط الاعراض بموضوعاتها المعبر عنه بالوجود الرابط.
أجبنا: ان الكلام المزبور لا يدل على مقولة الأين، نعم لازم ما يدل عليه - وهي نسبة الكون في المكان - تحقق مقولة الأين، ولكن الكلام لا يدل عليها، وهذا نظير ما لو أخبر المتكلم بمجئ أحد المتلازمين، فإنه وان كان يستفاد منه مجيئ الاخر الا ان الكلام المسوق لبيان مجيئ أحدهما لا يدل عليه.
فتحصل مما ذكرناه أمور:
الأول: ثبوت الفرق بين الحروف والاعراض النسبية، فما نسب إلى المحقق العراقي (ره) من عدمه ضعيف.
الثاني: انه لا فرق بين الحروف والهيئات، كما عليه جماعة من الحكماء منهم صدر المتألهين، فايراد المحقق العراقي عليه غير وارد.
الثالث: ان المعنى الحرفي اخطاري لا ايجادي، ومع ذلك يكون مباينا مع المعنى الأسمى ذاتا، لكونه متقوما وجودا وذاتا بالغير، بخلاف المعنى الأسمى.
الرابع: ان المعنى الحرفي ملحوظ استقلالا، لكنه في ضمن لحاظ المنتسبين لا وحده، فإنه بنفسه وذاته متقوم ومتدل بهما، ولا يكون ملحوظا آلة لغيره. فتدبر فإنه حقيق به.